(وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ)(٧)
(وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله في معنى الوعد. (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) لامتناع الكذب عليه تعالى. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم.
(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها. (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ) الّتي هي غايتها والمقصود منها. (هُمْ غافِلُونَ) لا تخطر ببالهم ، و (هُمْ) الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ و (غافِلُونَ) خبره والجملة خبر الأولى ، وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله : (لا يَعْلَمُونَ) تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها ، فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا ، وأما باطنها فإنها مجاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وأنموذج لأحوالها وإشعارا بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الّذي يختص بظاهر الدنيا.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ)(٨)
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) أو لم يحدثوا التفكر فيها ، أو أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على إبدائها. (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام. (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) تنتهي عنده ولا تبقى بعده. (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمى أو قيام الساعة. (لَكافِرُونَ) جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية وأن الآخرة لا تكون.
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٩)
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) تقرير لسيرهم في أقطار الأرض ونظرهم في آثار المدمرين قبلهم. (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) كعاد وثمود. (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها. (وَعَمَرُوها) وعمروا الأرض. (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها ، وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم أضعف حالا فيها ، إذ مدار أمرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة وهم ضعفاء ملجؤون إلى دار لا نفع لها. (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات أو الآيات الواضحات. (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) ليفعل بهم ما تفعل الظلمة فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عملوا ما أدى إلى تدميرهم.
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ)(١٠)
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) أي ثم كان عاقبتهم العاقبة (السُّواى) أو الخصلة (السُّواى) ،