ويجوز أن يكون (عَشِيًّا) معطوفا على (حِينَ تُمْسُونَ) وقوله (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراضا. وعن ابن عباس أن الآية جامعة للصلوات الخمس (تُمْسُونَ) صلاتا المغرب والعشاء ، و (تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر ، و (عَشِيًّا) صلاة العصر ، و (تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر. ولذلك زعم الحسن أنها مدنية لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة ، والأكثر على أنها فرضت بمكة. وعنه عليه الصلاة والسلام «من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية». وعنه عليه الصلاة والسلام «من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ، ومن قاله حين يمسي أدرك ما فاته في يومه». وقرئ «حينا تمسون» و «حينا تصبحون» أي تمسون فيه وتصبحون فيه.
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ)(١٩)
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة. (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كالنطفة والبيضة ، أو يعقب الحياة الموت وبالعكس. (وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات. (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها. (وَكَذلِكَ) ومثل ذلك الإخراج. (تُخْرَجُونَ) من قبوركم فإنه أيضا تعقيب للحياة الموت ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٢١)
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي في أصل الإنشاء لأنه خلق أصلهم منه. (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) لأن حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء خلقن من نطف الرجال ، أو لأنهن من جنسهم لا من جنس آخر. (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) لتميلوا إليها وتألفوا بها فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر. (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) أي بين الرجال والنساء ، أو بين أفراد الجنس. (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظما لأمر المعاش ، أو بأن تعيش الإنسان متوقف على التعارف والتعاون المحوج إلى التواد والتراحم ، وقيل المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كقوله تعالى : (وَرَحْمَةً مِنَّا). (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيعلمون ما في ذلك من الحكم.
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ)(٢٢)
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) لغاتكم بأن علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها وأقدره عليها ، أو أجناس نطقكم وأشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية. (وَأَلْوانِكُمْ) بياض الجلد وسواده ، أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها وألوانها ، وحلاها بحيث وقع التمايز والتعارف حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) لا تكاد تخفى على عاقل من ملك أو إنس أو جن ، وقرأ حفص بكسر اللام ويؤيد قوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ).