وصارت علما لها بالغلبة كالكوكب للزهرة. (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا) في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم ، وفي الحديث «ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون» وهو محتمل للساعات والأيام والأعوام. (غَيْرَ ساعَةٍ) استقلوا مدة لبثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسيانا. (كَذلِكَ) مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق. (كانُوا يُؤْفَكُونَ) يصرفون في الدنيا.
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(٥٧)
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) من الملائكة والإنس. (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) في علمه أو قضائه ، أو ما كتبه لكم أي أوجبه أو اللوح أو القرآن وهو قوله : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ). (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) ردوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه. (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الّذي أنكرتموه. (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أنه حق لتفريطكم في النظر ، والفاء لجواب شرط محذوف تقديره : إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه ، أي فقد تبين بطلان إنكاركم. فيومئذ لا تنفع الّذين ظلموا معذرتهم وقرأ الكوفيون بالياء لأن المعذرة بمعنى العذر ، أو لأن تأنيثها غير حقيقي وقد فصل بينهما. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته.
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٥٩)
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ولقد وصفناهم فيه بأنواع الصفات الّتي هي في الغرابة كالأمثال ، مثل صفة المبعوثين يوم القيامة فيما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب ، أو بينا لهم من كل مثل ينبههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول. (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) من آيات القرآن. (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من فرط عنادهم وقساوة قلوبهم. (إِنْ أَنْتُمْ) يعنون الرسول والمؤمنين. (إِلَّا مُبْطِلُونَ) مزورون.
(كَذلِكَ) مثل ذلك الطبع. (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق.
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(٦٠)
(فَاصْبِرْ) على أذاهم. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله. (حَقٌ) لا بد من إنجازه. (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) ولا يحملنك على الخفة والقلق. (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك. وعن يعقوب بتخفيف النون ، وقرئ «ولا يستحقنك» أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين. عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته».