(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٧)
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً) متكبرا لا يعبأ بها. (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) مشابها حاله حال من لم يسمعها. (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) مشابها من في أذنيه ثقل لا يقدر أن يسمع ، والأولى حال من المستكن في (وَلَّى) أو في (مُسْتَكْبِراً) ، والثانية بدل منها أو حال من المستكن في (لَمْ يَسْمَعْها) ويجوز أن يكونا استئنافين ، وقرأ نافع (فِي أُذُنَيْهِ). (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أعلمه بأن العذاب يحيق به لا محالة وذكر البشارة على التهكم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٩)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) أي لهم نعيم الجنات فعكس للمبالغة.
(خالِدِينَ فِيها) حال من الضمير في (لَهُمْ) أو من (جَنَّاتُ النَّعِيمِ) والعامل ما تعلق به اللام. (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) مصدران مؤكدان الأول لنفسه والثاني لغيره لأن قوله (لَهُمْ جَنَّاتُ) وعد وليس كل وعد حقا. (وَهُوَ الْعَزِيزُ). الّذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده. (الْحَكِيمُ) الّذي لا يفعل إلا ما تستدعيه حكمته.
(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١١)
(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) قد سبق في «الرعد». (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا شوامخ. (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) كراهة أن تميد بكم ، فإن تشابه أجزائها يقتضي تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيز ووضع معينين. (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) من كل صنف كثير المنفعة وكأنه استدل بذلك على عزته الّتي هي كمال القدرة ، وحكمته الّتي هي كمال العلم ، ومهد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله :
(هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) هذا الّذي ذكر مخلوقه فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته ، و (ما ذا) نصب ب (خَلْقُ) أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته (فَأَرُونِي) معلق عنه. (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الّذي لا يخفى على ناظر ، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم.
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(١٢)
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) يعني لقمان بن باعوراء من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته ، وعاش حتى أدرك داود عليه الصلاة والسلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه ، والجمهور على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا. والحكمة في عرف العلماء : استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية ، واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها. ومن حكمته أنه صحب داود شهورا وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت فقال : الصمت حكم وقليل فاعله ، وأن داود عليهالسلام قال له يوما كيف أصبحت فقال أصبحت في يدي غيري ، فتفكر داود فيه فصعق صعقة. وأنه أمره بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ، ثم بعد أيام أمره بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتى بهما أيضا فسأله عن ذلك فقال : هما أطيب شيء