(٣٢) سورة السجدة
مكية وآيها ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)(٣)
(الم) إن جعل اسما للسورة أو القرآن فمبتدأ خبره :
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ) على أن التنزيل بمعنى المنزل ، وإن جعل تعديدا للحروف كان (تَنْزِيلُ) خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره : (لا رَيْبَ فِيهِ) فيكون (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) حالا من الضمير في (فِيهِ) لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر ، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ولا (رَيْبَ فِيهِ) حال من (الْكِتابِ) ، أو اعتراض والضمير فيه لمضمون الجملة ويؤيده قوله :
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) فإنه إنكار لكونه من رب العالمين وقوله : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فإنه تقرير له ، ونظم الكلام على هذا أنه أشار أولا إلى إعجازه ، ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين ، وقرر ذلك بنفي الريب عنه ، ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له وتعجيبا منه ، فإن (أَمْ) منقطعة ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من الله وبين المقصود من تنزيله فقال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) إذ كانوا أهل الفترة. (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) بإنذارك إياهم.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)(٤)
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) مر بيانه في «الأعراف». (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ ما لَكُمْ) إذا جاوزتم رضا الله أحد ينصركم ويشفع لكم ، أو (ما لَكُمْ) سواه ولي ولا شفيع بل هو الّذي يتولى مصالحكم وينصركم في مواطن نصركم على أن الشفيع متجوز به للناصر ، فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي ولا ناصر. (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) بمواعظ الله تعالى.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٦)
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض. (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) ثم يصعد إليه ويثبت في علمه موجودا. (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بين التدبير والوقوع ، وقيل يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة ، لأن مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين