عليه الصلاة والسلام تعظيما له وتكريما لشأنه. (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) عظيم الشأن أو مؤكدا باليمين ، والتكرير لبيان هذا الوصف تعظيما له.
(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) أي فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقومهم ، أو تصديقهم إياهم تبكيتا لهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق ، أو المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم. (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) عطف على (أَخَذْنا) من جهة أن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لإثابة المؤمنين ، أو على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)(٩)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء اثني عشر ألفا. (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) ريح الصبا. (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) الملائكة. روي أنه عليه الصلاة والسلام لما سمع بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم ، ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى بعث الله عليهم ريحا باردة في ليلة شاتية ، فأخصرتهم وسفت التراب في وجوههم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وماجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر ، فقال طليحة بن خويلد الأسدي أما محمّد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال. (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من حفر الخندق ، وقرأ البصريان بالياء أي بما يعمل المشركون من التحزب والمحاربة. (بَصِيراً) رائيا.
(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)(١٠)
(إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من إذ جاءتكم. (مِنْ فَوْقِكُمْ) من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان. (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش. (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا. (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) رعبا فإن الرئة تنتفخ من شدة الروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب. (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) الأنواع من الظن فظن المخلصون الثبت القلوب أن الله منجز وعده في إعلاء دينه ، أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكي عنهم ، والألف مزيدة في أمثاله تشبيها للفواصل بالقوافي وقد أجرى نافع وابن عامر وأبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف ، ولم يزدها أبو عمرو وحمزة ويعقوب مطلقا وهو القياس.
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً)(١٢)
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل. (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) من شدة الفزع وقرئ «زلزالا» بالفتح.
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف اعتقاد. (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) من الظفر وإعلاء الدين. (إِلَّا غُرُوراً) وعدا باطلا. قيل قائله معتب بن قشير قال يعدنا محمّد بفتح فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا ما هذا إلا وعد غرور.