ساكني المدينة. (هَلُمَّ إِلَيْنا) قربوا أنفسكم إلينا وقد ذكر أصله في «الإنعام». (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) إلا إتيانا أو زمانا أو بأسا قليلا ، فإنهم يعتذرون ويتثبطون ما أمكن لهم ، أو يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون إلا قليلا كقوله (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) وقيل إنه من تتمة كلامهم ومعناه لا يأتي أصحاب محمّد حرب الأحزاب ولا يقاومونهم إلا قليلا.
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)(١٩)
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر أو الغنيمة ، جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل (يَأْتُونَ) أو (الْمُعَوِّقِينَ) أو على الذم. (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) في أحداقهم. (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ) كنظر المغشي عليه أو كدوران عينية ، أو مشبهين به أو مشبهة بعينه. (مِنَ الْمَوْتِ) من معالجة سكرات الموت خوفا ولواذا بك. (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وحيزت الغنائم. (سَلَقُوكُمْ) ضربوكم. (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ذربة يطلبون الغنيمة ، والسلق البسط بقهر باليد أو باللسان. (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) نصب على الحال أو الذم ، ويؤيده قراءة الرفع وليس بتكرير لأن كلّا منهما مقيد من وجه. (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) إخلاصا. (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) فأظهر بطلانها إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل أو أبطل تصنعهم ونفاقهم. (وَكانَ ذلِكَ) الإحباط. (عَلَى اللهِ يَسِيراً) هينا لتعلق الإرادة به وعدم ما يمنعه عنه.
(يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً)(٢٠)
(يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ، وقد انهزموا ففروا إلى داخل المدينة. (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) كرة ثانية. (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) تمنوا أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الأعراب. (يَسْئَلُونَ) كل قادم من جانب المدينة. (عَنْ أَنْبائِكُمْ) عما جرى عليكم. (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال. (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) رياء وخوفا من التعيير.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١)
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد ، أو هو في نفسه قدوة يحسن التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد ، وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه. (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة ، أو أيام الله واليوم الآخر خصوصا. وقيل هو كقولك أرجو زيدا وفضله ، فإن (الْيَوْمَ الْآخِرَ) داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و (لِمَنْ كانَ) صلة لحسنة أو صفة لها. وقيل بدل من (لَكُمْ) والأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه. (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة ، فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك.
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً