وما يدلان عليه. (لَآيَةً) لدلالة. (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(١١)
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد ، أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن. (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب ، وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها ، أو سيري معه حيث سار. وقرئ «أوبي» من الأوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه ، وهو بدل من (فَضْلاً) أو من (آتَيْنا) بإضمار قولنا أو قلنا. (وَالطَّيْرَ) عطف على محل الجبال ويؤيده القراءة بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الإعرابية أو على (فَضْلاً) ، أو مفعول معه ل (أَوِّبِي) وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل : ولقد آتينا داود منا فضلا تأويب الجبال والطير ، فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه ، حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لأمره في نفاذ مشيئته فيها. (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق بآلاته أو بقوته.
(أَنِ اعْمَلْ) أمرناه أن اعمل ف (أَنِ) مفسرة أو مصدرية. (سابِغاتٍ) دروعا واسعات ، وقرئ «صابغات» وهو أول من اتخذها. (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) وقدر في نسجها بحيث يتناسب حلقها ، أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقا فتقلق ولا غلاظا فتنخرق. ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ). (وَاعْمَلُوا صالِحاً) الضمير فيه لداود وأهله. (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فأجازيكم عليه.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(١٣)
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي وسخرنا له الريح ، وقرئ «الريح» بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرئ «الرياح». (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك ، وقرئ «غدوتها» «وروحتها». (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) النحاس المذاب أساله له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ، ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن. (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) عطف على (الرِّيحَ وَمِنَ الْجِنِ) حال مقدمة ، أو جملة (مِنَ) مبتدأ وخبر. (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمره. (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ) ومن يعدل منهم. (عَنْ أَمْرِنا) عما أمرناه من طاعة سليمان ، وقرئ «يزغ» من أزاغه. (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) عذاب الآخرة.
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها. (وَتَماثِيلَ) وصورا هي تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد. روي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما. (وَجِفانٍ) وصحاف. (كَالْجَوابِ) كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة. (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها. (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) حكاية عما قيل لهم و (شُكْراً) نصب على العلة أي : اعملوا له واعبدوه شكرا ، أو المصدر لأن العمل له شكرا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به. (وَقَلِيلٌ مِنْ