(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) ضرب مثل للمؤمن والكافر ، والفرات الّذي يكسر العطش والسائغ الّذي يسهل انحداره ، والأجاج الّذي يحرق بملوحته. وقرئ «سيغ» بالتشديد و «سيغ» بالتخفيف و «ملح» على فعل. (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) استطراد في صفة البحرين وما فيهما من النعم ، أو تمام التمثيل والمعنى : كما أنهما وإن اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان من حيث إنهما لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء ، فإنه خالط أحدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته ، لا يتساوى المؤمن والكافر وإن اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما فيما هو الخاصية العظمى وهي بقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر ، أو تفضيل للأجاج على الكافر بما يشارك فيه العذب من المنافع. والمراد ب (الْحِلْيَةِ) اللئالئ واليواقيت. (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ) في كل. (مَواخِرَ) تشق الماء بجريها. (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) من فضل الله بالنقلة فيها ، واللام متعلقة ب (مَواخِرَ) ، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه الأفعال المذكورة. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) على ذلك وحرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال.
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(١٤)
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) هي مدة دوره أو منتهاه أو يوم القيامة. (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) الإشارة إلى الفاعل لهذه الأشياء. وفيها إشعار بأن فاعليته لها موجبة لثبوت الأخبار المترادفة ، ويحتمل أن يكون (لَهُ الْمُلْكُ) كلاما مبتدأ في قران. (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) للدلالة على تفرده بالألوهية والربوبية ، والقطمير لفافة النواة.
(إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) لأنهم جماد (وَلَوْ سَمِعُوا) على سبيل الفرض. (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لعدم قدرتهم على الإنفاع ، أو لتبرئهم منكم مما تدعون لهم. (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) بإشراككم لهم يقرون ببطلانه أو يقولون (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ). (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولا يخبرك بالأمر مخبر (مِثْلُ خَبِيرٍ) به أخبرك وهو الله سبحانه وتعالى ، فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين. والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ)(١٧)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) في أنفسكم وما يعن لكم ، وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء ، وأن افتقار سائر الخلائق بالإضافة إلى فقرهم غير معتد به ولذلك قال : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً). (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) المستغني على الإطلاق المنعم على سائر الموجودات حتى استحق عليهم الحمد.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) بقوم آخرين أطوع منكم ، أو بعالم آخر غير ما تعرفونه.
(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) بمتعذر أو متعسر.