(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) إلى جنبك تحت العضد يقال لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر ، استعارة من جناحي الطائر سميا بذلك لأنه يجنحهما عند الطيران. (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) كأنها مشعة. (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير عاهة وقبح ، كني به عن البرص كما كني بالسوأة عن العورة لأن الطباع تعافه وتنفر عنه. (آيَةً أُخْرى) معجزة ثانية وهي حال من ضمير (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) أو من ضميرها ، أو مفعول بإضمار خذ أو دونك.
(لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) متعلق بهذا المضمر أو بما دل عليه آية أو القصة الّتي دللنا بها ، أو فعلنا ذلك (لِنُرِيَكَ) و (الْكُبْرى) صفة (آياتِنَا) أو مفعول «نريك» و (مِنْ آياتِنَا) حال منها.
(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة. (إِنَّهُ طَغى) عصى وتكبر.
(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي)(٢٨)
(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) لما أمره الله بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره ويفسح قلبه لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه ، والتلقي لما ينزل عليه ويسهل الأمر له بإحداث الأسباب ورفع الموانع ، وفائدة لي إبهام المشروح والميسر أولا ، ثم رفعه بذكر الصدر والأمر تأكيدا ومبالغة.
(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه ، وذلك أن فرعون حمله يوما فأخذ بلحيته ونتفها ، فغضب وأمر بقتله فقالت آسية : إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت ، فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة ووضعها في فيه. ولعل تبييض يده كان لذلك. وقيل احترقت يده فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ ، ثم لما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الّذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه. واختلف في زوال العقدة بكمالها فمن قال به تمسك بقوله (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ومن لم يقل احتج بقوله (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) وقوله (وَلا يَكادُ يُبِينُ) وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه مطلقا بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها وجعل يفقهوا جواب الأمر ، ومن لساني يحتمل أن يكون صفة عقدة وأن يكون صلة احلل.
(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)(٣٢)
(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) يعينني على ما كلفتني به ، واشتقاق الوزير إما من الوزر لأنه يحمل الثقل عن أميره ، أو من الوزر وهو الملجأ لأن الأمير يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره ، ومنه الموازرة وقيل أصله أزير من الأزر بمعنى القوة ، فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واوا كقلبها في موازر. ومفعولا اجعل (وَزِيراً) ، و (هارُونَ) قدم ثانيهما للعناية به و (لِي) صلة أو حال أو (لِي وَزِيراً) و (هارُونَ) عطف بيان للوزير ، أو (وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) و (لِي) تبيين كقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). و (أَخِي) على الوجوه بدل من (هارُونَ) أو مبتدأ خبره.
(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) على لفظ الأمر وقرأهما ابن عامر بلفظ الخبر على أنهما جواب الأمر.
(كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً)(٣٥)
(كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده.
(إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) عالما بأحوالنا وأن التعاون مما يصلحنا ، وأن هارون نعم المعين لي فيما أمرتني به.