أَنْتَ) فإن الإخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب. (مَكاناً سُوىً) بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف ، أو بأنه بدل من (مَوْعِداً) على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله.
(قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(٥٩)
(قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم ، أو بإضمار مثل مكان موعدكم مكان يوم الزينة كما هو على الأول ، أو وعدكم وعد يوم الزينة ، وقرئ «يوم» بالنصب وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر ، ومعنى (سُوىً) منتصفا يستوي مسافته إلينا وإليك وهو في النعت كقولهم : قوم عدي في الشذوذ ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بالضم ، وقيل في (يَوْمُ الزِّينَةِ) يوم عاشوراء ، أو يوم النيروز ، أو يوم عيد كان لهم في كل عام ، وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار. (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) عطف على ال (يَوْمُ) أو (الزِّينَةِ) ، وقرئ على البناء للفاعل بالتاء على خطاب فرعون والياء على أن فيه ضمير ال (يَوْمُ) أو ضمير (فِرْعَوْنُ) على أن الخطاب لقومه.
(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى)(٦١)
(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) ما يكاد به يعني السحرة وآلاتهم. (ثُمَّ أَتى) الموعد.
(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن تدعوا آياته سحرا. (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) فيهلككم ويستأصلكم ، وبه قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب بالضم من الاسحات وهو لغة نجد وتميم ، والسحت لغة الحجاز. (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) كما خاب فرعون ، فإنه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه.
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى)(٦٣)
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم : ليس هذا من كلام السحرة. (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) بأن موسى إن غلبنا اتبعنا أو تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السر. وقيل الضمير لفرعون وقومه وقوله :
(قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) تفسير ل (أَسَرُّوا النَّجْوى) كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذرا أن يغلبا فيتبعهما الناس ، و (هذانِ) اسم إن على لغة بلحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديرا. وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و (هذانِ لَساحِرانِ) خبرها. وقيل (إِنْ) بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ. وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف ، وقرأ أبو عمرو «إن هذين» وهو ظاهر ، وابن كثير وحفص (إِنْ هذانِ) على أنها هي المخففة واللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا. (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) بالاستيلاء عليها. (بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) بمذهبكم الّذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ). وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ). وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم.