الخيرات. (فَلا يَخافُ ظُلْماً) منع ثواب مستحق بالوعد (وَلا هَضْماً) ولا كسرا منه بنقصان أو جزاء ظلم وهضم لأنه لم يظلم غيره ولم يهضم حقه ، وقرئ «فلا يخف» على النهي.
(وَكَذلِكَ) عطف على كذلك نقص أي مثل ذلك الإنزال أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد. (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) كله على هذه الوتيرة. (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) مكررين فيه آيات الوعيد. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) المعاصي فتصير التقوى لهم ملكة. (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) عظة واعتبارا حين يسمعونها فتثبطهم عنها ، ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم والإحداث إلى القرآن.
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١١٤)
(فَتَعالَى اللهُ) في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته ذاتهم.
(الْمَلِكُ) النافذ أمره ونهيه الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده. (الْحَقُ) في ملكوته يستحقه لذاته ، أو الثابت في ذاته وصفاته (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) نهي عن الاستعجال في تلقي الوحي من جبريل عليهالسلام ومساوقته في القراءة حتى يتم وحيه بعد ذكر الإنزال على سبيل الاستطراد. وقيل نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه. (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) أي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال فإن ما أوحى إليك تناله لا محالة.
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(١١٥)
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذا أمره ، واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان. (مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا الزمان. (فَنَسِيَ) العهد ولم يعن به حتى غفل عنه ، أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة. (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) تصميم رأي وثباتا على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ، ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)». وقيل عزما على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمده و (نَجِدْ) وإن كان من الوجود الّذي بمعنى العلم ف (لَهُ عَزْماً) مفعولاه ، وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزما أو متعلق بنجد.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (١١٧)
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) مقدر باذكر أي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك أنه نسي ولم يكن من أولي العزيمة والثبات. (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) قد سبق القول فيه. (أَبى) جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السجود وهو الاستكبار وعلى هذا لا يقدر له مفعول مثل السجود المدلول عليه بقوله (فَسَجَدُوا) لأن المعنى أظهر الإباءة عن المطاوعة.
(فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما) فلا يكونن سببا لإخراجكما ، والمراد نهيهما عن أن يكون بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما. (مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) أفرده بإسناد الشقاء إليه بعد إشراكهما في الخروج اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث إنه قيم عليها ومحافظة على الفواصل ، أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ويؤيده قوله.