(١٩) سورة مريم
مكية إلا آية السجدة وهي ثمان أو تسع وتسعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)(٢)
(كهيعص) أمال أبو عمرو الهاء لأن ألفات أسماء التهجي ياءات وابن عامر وحمزة الياء ، والكسائي وأبو بكر كليهما ، ونافع بين بين ونافع وابن كثير وعاصم يظهرون دال الهجاء عند الذال ، والباقون يدغمونها.
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) خبر ما قبله إن أول السورة أو بالقرآن ، فإنه مشتمل عليه أو خبر محذوف أي : هذا المتلو (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) ، أو مبتدأ حذف خبره أي فيما يتلى عليك ذكرها ، وقرئ «ذكر رحمة» على الماضي و «ذكر» على الأمر. (عَبْدَهُ) مفعول الرحمة أو الذكر على أن الرحمة فاعله على الاتساع كقولك : ذكرني جود زيد. (زَكَرِيَّا) بدل منه أو عطف بيان له.
(إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا)(٣)
(إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) لأن الإخفاء والجهر عند الله سيان ، والإخفاء أشد إخباتا وأكثر إخلاصا أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر ، أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين خافهم ، أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته. واختلف في سنه حينئذ فقيل ستون ، وقيل سبعون ، وقيل خمس وسبعون ، وقيل خمس وثمانون ، وقيل تسع وتسعون.
(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)(٤)
(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) تفسير للنداء والوهن الضعف ، وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بنائه ولأنه أصلب ما فيه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن وتوحيده لأن المراد به الجنس ، وقرئ «وهن» و «وهن» بالضم والكسر ونظيره كمل بالحركات الثلاث. (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة ، وجعله مميزا إيضاحا للمقصود ، واكتفى باللام على الإضافة للدلالة على أن علم المخاطب بتعين المراد يغني عن التقيد. (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) بل كلما دعوتك استجبت لي وهو توسل بما سلف معه من الاستجابة ، وتنبيه على أن المدعو له وإن لم يكن معتادا فإجابته معتادة ، وأنه تعالى عوده بالإجابة وأطمعه فيها ، ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه.
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)(٦)
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل ، فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته