(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (٥١)
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أوضح لكم ما أنذركم به ، والاقتصار على الإنذار مع عموم الخطاب وذكر الفريقين لأن صدر الكلام ومساقه للمشركين ، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لما بدر منهم. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هي الجنة وال (كَرِيمٌ) من كل نوع ما يجمع فضائله.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) بالرد والإبطال. (مُعاجِزِينَ) مسابقين مشاقين للساعين فيها بالقبول والتحقيق ، من عاجزه فأعجزه وعجزه إذا سابقه فسبقه لأن كلّا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو معجزين على أنه حال مقدرة. (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) النار الموقدة ، وقيل اسم دركة.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٥٢)
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها ، والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهمالسلام ، ولذلك شبه النبي صلىاللهعليهوسلم علماء أمته بهم ، فالنبي أعم من الرسول ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الأنبياء فقال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، قيل فكم الرسل منهم قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا» وقيل الرسول من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه ، والنبي غير الرسول من لا كتاب له. وقيل الرسول من يأتيه الملك بالوحي ، والنبي يقال له ولمن يوحى إليه في المنام. (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) زور في نفسه ما يهواه. (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام «وإنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة». (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإرشاد إلى ما يزيحه. (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال الناس. (حَكِيمٌ) فيما يفعله بهم ، قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت. وقيل تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينزل عليه ما يقربهم إليه واستمر به ذلك حتى كان في ناديهم فنزلت عليه سورة (وَالنَّجْمِ) فأخذ يقرؤها فلما بلغ (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) وسوس إليه الشيطان حتى سبق لسانه سهوا إلى أن قال : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لمّا سجد في آخرها ، بحيث لم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد ، ثم نبهه جبريل عليهالسلام فاغتم لذلك فعزاه الله بهذه الآية. وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه ، وقيل تمنى قرأ كقوله :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
تمنّي داود الزّبور على رسل |
وأمنيته قراءته وإلقاء الشيطان فيها أن تكلم بذلك رافعا صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبيصلىاللهعليهوسلم. وقد رد أيضا بأنه يخل بالوثوق على القرآن ولا يندفع بقوله (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) لأنه أيضا يحتمله ، والآية تدل على جواز السهو على الأنبياء وتطرق الوسوسة إليهم.
(لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي