شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٥٤)
(لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) علة لتمكين الشيطان منه ، وذلك يدل على أن الملقى أمر ظاهر عرفه المحق والمبطل. (فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق. (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) المشركين. (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) يعني الفريقين فوضع الظاهر موضع ضميرهم قضاء عليهم بالظلم. (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) عن الحق أو عن الرسول والمؤمنين.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أن القرآن هو الحق النازل من عند الله ، أو تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق الصادر من الله لأنه مما جرت به عادته في الإنس من لدن آدم. (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) بالقرآن أو بالله. (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) بالانقياد والخشية. (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) فيما أشكل. (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو نظر صحيح يوصلهم إلى ما هو الحق فيه.
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(٥٦)
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) في شك. (مِنْهُ) من القرآن أو الرسول ، أو مما ألقى الشيطان في أمنيته يقولون ما باله ذكرها بخير ثم ارتد عنها. (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) القيامة أو أشراطها أو الموت. (بَغْتَةً) فجأة. (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر ، سمي به لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كالعقم ، أو لأن المقاتلين أبناء الحرب فإذا قتلوا صارت عقيما ، فوصف اليوم بوصفها اتساعا أو لأنه لا خير لهم فيه ، ومنه الريح العقيم لما لم تنشئ مطرا ولم تلقح شجرا ، أو لأنه لا مثل له لقتال الملائكة فيه ، أو يوم القيامة على أن المراد ب (السَّاعَةُ) غيره أو على وضعه ، موضع ضميرها للتهويل.
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) التنوين فيه ينوب عن الجملة الّتي دلت عليها الغاية أي : يوم تزول مريتهم. (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) بالمجازاة ، والضمير يعم المؤمنين والكافرين لتفصيله بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(٥٧)
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) وإدخال الفاء في خبر الثاني دون الأول تنبيه على أن إثابة المؤمنين بالجنات تفضل من الله تعالى ، وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم فلذلك قال (لَهُمْ عَذابٌ) ولم يقل : هم في عذاب.
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)(٥٩)
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا) في الجهاد. (أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) الجنة ونعيمها ، وإنما سوى بين من قتل في الجهاد ومن مات حتف أنفه في الوعد لاستوائهما في القصد وأصل العمل. روي أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا فنزلت. (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإنه يرزق بغير حساب.