(٢٣) سورة المؤمنون
مكية وهي مائة وتسع عشرة آية عند البصريين وثماني عشرة عند الكوفيين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)(٢)
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قد فازوا بأمانيهم وقد تثبت المتوقع كما أن لما تنفيه وتدل على ثباته إذا دخلت على الماضي ، ولذلك تقربه من الحال ولما كان المؤمنون متوقعين ذلك من فضل الله صدرت بها بشارتهم ، وقرأ ورش عن نافع قد أفلح بإلقاء حركة الهمزة على الدال وحذفها ، وقرئ «أفلحوا» على لغة : أكلوني البراغيث ، أو على الإبهام والتفسير ، و «أفلح» بالضم اجتزاء بالضمة عن الواو و «أفلح» على البناء للمفعول.
(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) خائفون من الله سبحانه وتعالى متذللون له ملزمون أبصارهم مساجدهم. روي أنه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي رافعا بصره إلى السماء ، فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ)(٥)
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ) عما لا يعنيهم من قول أو فعل. (مُعْرِضُونَ) لما بهم من الجد ما شغلهم عنه ، وهو أبلغ من الذين لا يلهون من وجوه جعل الجملة اسمية وبناء الحكم على الضمير ، والتعبير عنه بالاسم وتقديم الصلة عليه وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على بعدهم عنه رأسا مباشرة وتسببا وميلا وحضورا ، فإن أصله أن يكون في عرض غير عرضه وكذلك قوله :
(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) وصفهم بذلك بعد وصفهم بالخشوع في الصلاة ليدل على أنهم بلغوا الغاية في القيام على الطاعات البدنية والمالية والتجنب عن المحرمات وسائر ما توجب المروءة اجتنابه ، والزكاة تقع على المعنى والعين والمواد الأول لأن الفاعل فاعل الحدث لا المحل الّذي هو موقعه أو الثاني على تقدير مضاف.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) لا يبذلونها.
(إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ)(٧)
(إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) زوجاتهم أو سرياتهم ، و (عَلى) صلة ل (حافِظُونَ) من قولك احفظ على عنان فرسي ، أو حال أي حافظوها في كافة الأحوال إلا في حال التزوج أو التسري ، أو بفعل دل عليه غير ملومين وإنما قال : ما إجراء للمماليك مجرى غير العقلاء إذ الملك أصل شائع فيه وإفراد