بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم فلذلك أنكروه ، وإنما قيد الحكم بالأكثر لأنه كان منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه أو لقلة فطنته وعدم فكرته لا كراهة للحق.
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)(٧١)
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) بأن كان في الواقع آلهة شتى. (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) كما سبق تقريره في قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا). وقيل لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلم يبق ، أو لو اتبع الحق الّذي جاء به محمّد صلىاللهعليهوسلم أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وأهلك العالم من فرط غضبه ، أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهونه من الشرك والمعاصي لخرج عن الألوهية ولم يقدر أن يمسك السموات والأرض وهو على أصل المعتزلة. (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) بالكتاب الّذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم ، أو الذكر الّذي تمنوه بقولهم (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) وقرئ «بذكراهم». (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) لا يلتفتون إليه.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٧٣)
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ) قيل إنه قسيم قوله (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ). (خَرْجاً) أجرا على أداء الرسالة. (فَخَراجُ رَبِّكَ) رزقه في الدنيا أو ثوابه في العقبى. (خَيْرٌ) لسعته ودوامه ففيه مندوحة لك عن عطائهم والخرج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك ، والخراج غالب في الضريبة على الأرض ففيه إشعار بالكثرة واللزوم فيكون أبلغ ولذلك عبر به عن عطاء الله إياه ، وقرأ ابن عامر «خرجا فخرج» وحمزة والكسائي «خراجا فخراج» للمزاوجة. (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) تقرير لخيرية خراجه تعالى.
(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تشهد العقول السليمة على استقامته لا عوج فيه يوجب اتهامهم له ، واعلم أنه سبحانه ألزمهم الحجة وأزاح العلة في هذه الآيات بأن حصر أقسام ما يؤدي إلى الإنكار والاتهام وبين انتفاءها ما عدا كراهة الحق وقلة الفطنة.
(وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٥)
(وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ) عن الصراط السوي. (لَناكِبُونَ) لعادلون عنه فإن خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحق وسلوك طريقه.
(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) يعني القحط. (لَلَجُّوا) لثبتوا واللجاج التمادي في الشيء. (فِي طُغْيانِهِمْ) إفراطهم في الكفر والاستكبار عن الحق وعداوة الرسول والمؤمنين. (يَعْمَهُونَ) عن الهدى ، روي أنهم قحطوا حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال : بلى فقال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت.
(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)(٧٧)
(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) يعني القتل يوم بدر. (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) بل أقاموا على عتوهم