الإساءة أو ما يعمهما. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «لنجزي» بالنون وقرئ «ليجزي قوم» و «ليجزي قوما» أي ليجزي الخير أو الشر أو الجزاء ، أعني ما يجزى به لا المصدر فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي لها ثواب العمل وعليها عقابه. (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم على أعمالكم.
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ(١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١٧)
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) التوراة. (وَالْحُكْمَ) والحكمة النظرية والعملية أو فصل الخصومات. (وَالنُّبُوَّةَ) إذ كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثروا في غيرهم. (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) مما أحل الله من اللذائذ. (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم.
(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) أدلة في أمر الدين ويندرج فيها المعجزات. وقيل آيات من أمر النبي عليه الصلاة والسلام مبينة لصدقه. (فَمَا اخْتَلَفُوا) في ذلك الأمر. (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بحقيقة الحال. (بَغْياً بَيْنَهُمْ) عداوة وحسدا. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بالمؤاخذة والمجازاة.
(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)(١٩)
(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) طريقة (مِنَ الْأَمْرِ) من أمر الدين. (فَاتَّبِعْها) فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) آراء الجهال التابعة للشهوات ، وهم رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك.
(إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) مما أراد بك. (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالهم باتباع أهوائهم. (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) فواله بالتقي واتباع الشريعة.
(هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(٢١)
(هذا) أي القرآن أو اتباع الشريعة. (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) بينات تبصرهم وجه الفلاح. (وَهُدىً) من الضلالة. (وَرَحْمَةٌ) ونعمة من الله. (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) يطلبون اليقين.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة. (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) أن نصيرهم. (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مثلهم وهو ثاني مفعولي نجعل وقوله : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) بدل منه إن كان الضمير للموصول الأول لأن المماثلة فيه إذ المعنى انكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيين في البهجة والكرامة كما هو للمؤمنين ، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص سواء بالنصب على البدل أو الحال من الضمير في الكاف ، أو المفعولية والكاف حال وإن كان للثاني فحال منه أو استئناف يبين المقتضى للإنكار ، وإن كان لهما فبدل أو حال من الثاني ، وضمير الأول والمعنى إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة ،