عليهما دلائل العقل وشواهد النقل. (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه ، أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص في العمل. (وَاسْتَغْفِرُوهُ) مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ، ثم هددهم على ذلك فقال. (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله.
(الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق ، وذلك من أعظم الرذائل ، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع. وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة. (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٨)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ) عظيم. (غَيْرُ مَمْنُونٍ) لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل ، أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته. وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون.
(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ)(١٠)
(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) في مقدار يومين ، أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون. ولعل المراد من (الْأَرْضَ) ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها (فِي يَوْمَيْنِ) أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا ، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته. (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) ولا يصح أن يكون له ند. (ذلِكَ) الذي (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ). (رَبُّ الْعالَمِينَ) خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها.
(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) استئناف غير معطوف على (خَلَقَ) للفصل بما هو خارج عن الصلة. (مِنْ فَوْقِها) مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب. (وَبارَكَ فِيها) وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان. (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به ، أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها ، وقرئ «وقسم فيها أقواتها». (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) في تتمة أربعة أيام كقولك : سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما. ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين. والتصريح على الفذلكة. (سَواءً) أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر. وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها ، وقرئ بالرفع على هي سواء. (لِلسَّائِلِينَ) متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها ، أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها.
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١٢)
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)