قطعا والمنازع فيه مكابر ، وأما دلالتها على انتفاء الجزاء فقد قيل وقيل : والحق أنه إن كان ما بينهما من الدوران قد بنى الحكم على اعتباره فهي دالة عليه بواسطة مدلولها ضرورة استلزام انتفاء العلة لانتفاء المعلول. أما في الدوران الكلي كالذي في قوله تعالى : شأنه (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) [النحل : ٩] وقولك لو جئتني لأكرمتك فظاهر ، ثم إنه قد يساق الكلام لتعليل انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط كما في المثالين ، وهو الاستعمال الشائع في (لَوْ) ولذا قيل : إنها لامتناع الثاني لامتناع الأول وقد يساق للاستدلال بانتفاء الثاني لكونه ظاهرا أو مسلما على انتفاء الأول لكونه بعكسه كما في قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] و (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] واللزوم في الأول حقيقي وفي الثاني ادعائي ، وكذا انتفاء الملزومين وليس هذا بطريق السببية الخارجية بل بطريق الدلالة العقلية الراجعة إلى سببية العلم بانتفاء الثاني للعلم بانتفاء الأول. ومن لم يتنبه زعم أنه لانتفاء الأول لانتفاء الثاني. وأما في مادة الدوران الجزئي كما في قولك : لو طلعت الشمس لوجد الضوء فلأن الجزاء المنوط بالشرط ليس وجود أي ضوء بل وجود الضوء الخاص الناشئ من الطلوع ولا ريب في انتفائه بانتفائه هذا إذا بني الحكم على اعتبار الدوران وإن بني على عدمه فأما أن يعتبر تحقق مدار آخر له أو لا ، فإن اعتبر فالدلالة تابعة لحال ذلك المدار فإن كان بينه وبين الانتفاء الأول منافاة تعين الدلالة كما إذا قلت : لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء فإن وجود الضوء معلق في الحقيقة بسبب آخر هو المدار ووضع عدم الطلوع موضعه لكونه كاشفا عنه فكأنه قيل : لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء بالقمر مثلا.
ولا ريب في أن هذا الجزاء منتف عند انتفاء الشرط لاستحالة الضوء القمري عند طلوع الشمس ، وإن لم يكن بينهما منافاة تعين عدم الدلالة كحديث «لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي (١) من الرضاعة» فإن المدار المعتبر في ضمن الشرط ـ أعني كونها ابنة الأخ ـ غير مناف لانتفائه الذي هو كونها ربيبته بل مجامع له ، ومن ضرورته مجامعة أثريهما أعني الحرمة الناشئة من هذا ، وهذا وإن لم يعتبر تحقق مدار آخر بل بني الحكم على اعتبار عدمه فلا دلالة لها على ذلك أصلا ، ومساق الكلام حينئذ لبيان ثبوت الجزاء على كل حال بتعليقه بما ينافيه ليعلم ثبوته عند وقوع ما لا ينافيه بالأولى كما في قوله تعالى : (٢)(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) [الإسراء : ١٠٠] فإن الجزاء قد نيط بما ينافيه إيذانا بأنه في نفسه بحيث يجب ثبوته مع فرض انتفاء سببه أو تحقق سبب انتفائه فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة (لَوْ) الوصلية «ونعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» إن حمل على تعليق عدم العصيان في ضمن عدم الخوف بمدار آخر كالحياء مما يجامع الخوف كان من قبيل حديث الربيبة ، وإن حمل على بيان استحالة عصيانه مبالغة كان من هذا القبيل ، والآية الكريمة واردة على الاستعمال الشائع مفيدة لفظاعة حالهم وهول ما دهمهم وأنه قد بلغ الأمر إلى حيث لو تعلقت مشيئة الله تعالى بإزالته قواهم لزالت لتحقق ما يقتضيه اقتضاء تاما. وقيل : كلمة (لَوْ) فيها ـ لربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر ـ بمنزلة أن ، ذكر جميع ذلك مولانا مفتي الديار الرومية وأظنه قد أصاب الغرض إلا أن كلام مولانا الساليكوتي يشعر باختيار أن (لَوْ) موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة على انتفاء
__________________
(١) هي بنت أبي سلمة ا ه.
(٢) ومثله قوله صلىاللهعليهوسلم : «لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من فارس» ، وقول علي كرم الله تعالى وجهه : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا أه منه.