عليه وسلم ليلة المعراج ولأن جنة الخلد دار للنعيم وراحة وليست بدار تكليف ، وقد كلف آدم أن لا يأكل من الشجرة ولأن إبليس كان من الكافرين وقد دخلها للوسوسة ولو كانت دار الخلد ما دخلها ولا كاد لأن الأكابر صرحوا بأنه لو جيء بالكافر إلى باب الجنة لتمزق ولم يدخلها لأنه ظلمة وهي نور ودخوله مستترا ـ في الجنة على ما فيه ـ لا يفيد ، ولأنها محل تطهير فكيف يحسن أن يقع فيها العصيان والمخالفة ويحل بها غير المطهرين ولأن أول حمل حواء كان في الجنة على ما في بعض الآثار ولم يرد أن ذلك الطعام اللطيف يتولد منه نطفة هذا الجسد الكثيف ، والتزام الجواب عن ذلك كله لا يخلو عن تكلف ، والتزام ما لا يلزم ـ وما في حيز المحاجة يمكن حمله على هذه الجنة وكون حملها على ما ذكر يجري مجرى الملاعبة بالدين والمراغمة لإجماع المسلمين ـ غير مسلم ، وقيل : كانت في السماء وليست دار الثواب بل هي جنة الخلد ، وقيل : كانت غيرهما ويرد ذلك أنه لم يصح أن في السماء بساتين غير بساتين الجنة المعروفة ، واحتمال أنها خلقت إذ ذاك ثم اضمحلت مما لا يقدم عليه منصف ، وقيل : الكل ممكن والله تعالى على ما يشاء قدير. والأدلة متعارضة ، فالأحوط والأسلم هو الكف عن تعيينها والقطع به ، وإليه مال صاحب التأويلات ، والذي ذهب إليه بعض ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم أنها في الأرض عند جبل الياقوت تحت خط الاستواء ـ ويسمونها جنة البرزخ ـ وهي الآن موجودة وإن العارفين يدخلونها اليوم بأرواحهم لا بأجسامهم ولو قالوا : إنها جنة المأوى ـ ظهرت حيث شاء الله تعالى وكيف شاء كما ظهر لنبينا صلىاللهعليهوسلم على ما ورد في الصحيح في عرض حائط المسجد ـ لم يبعد على مشربهم ولو أن قائلا قال بهذا لقلت به لكن للتفرد في مثل هذه المطالب آفات. وكما اختلف في هذه الجنة اختلف في وقت خلق زوجه عليهالسلام ، فذكر السدي عن ابن مسعود ، وابن عباس وناس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكنها آدم بقي فيها وحده وما كان معه من يستأنس به فألقى الله تعالى عليه النوم ثم أخذ ضلعا من جانبه الأيسر ووضع مكانه لحما وخلق حواء منه فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة فسألها من أنت؟ قالت : امرأة قال ولم خلقت؟ قالت : لتسكن إليّ فقالت الملائكة تجربة لعلمه : من هذه؟ قال : امرأة قالوا : لم سميت امرأة؟ قال : لأنها خلقت من المراء فقالوا : ما اسمها؟ قال : حواء قالوا : لم سميت حواء؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي. وقال كثيرون ـ ولعلي أقول بقولهم ـ إنها خلقت قبل الدخول ودخلا معا ، وظاهر الآية الكريمة يشير إليه وإلا توجه الأمر إلى معدوم وإن كان في علمه تعالى موجودا ، وأيضا في تقديم (زَوْجُكَ) على (الْجَنَّةَ) نوع إشارة إليه وفي المثل ، الرفيق قبل الطريق. وأيضا هي مسكن القلب ، والجنة مسكن البدن ، ومن الحكمة تقديم الأول على الثاني ، وأثر السدي ـ على ما فيه مما لا يخفى عليك ـ معارض بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : بعث الله جندا من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من ذهب كما تحمل الملوك ولباسهما النور حتى أدخلوهما الجنة فإنه كما ترى يدل على خلقها قبل دخول الجنة (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) الضمير المجرور للجنة على حذف مضاف أي من مطاعمها من ثمار وغيرها فلم يحظر عليهما شيئا إلا ما سيأتي ، وأصل (كُلا) أأكلا بهمزتين الأولى للوصل ، والثانية فاء الكلمة فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ وأتبعت بالأولى لفوات الغرض ، وقيل : حذفا معا لكثرة الاستعمال ـ والرغد بفتح الغين ـ وقرأ النخعي ـ بسكونها ـ الهنيّ الذي لا عناء فيه أو الواسع ، يقال : رغد عيش القوم ، ورغد ـ بكسر الغين وضمها ـ كانوا في رزق واسع كثير ، وأرغد القوم أخصبوا وصاروا في رغد من العيش ، ونصبه على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا رغدا. وقال ابن كيسان : إنه حال بتأويل راغدين مرفهين ، و (حَيْثُ) ظرف مكان مبهم لازم للظرفية ، وإعرابها لغة بني فقعس ولا تكون ظرف زمان خلافا للأخفش ، ولا يجزم بها دون «ما» خلافا للفراء ، ولا تضاف للمفرد خلافا للكسائي ؛ ولا يقال : زيد حيث عمرو ـ خلافا للكوفيين ـ ويعتقب على آخرها الحركات الثلاث ـ مع الياء والواو والألف ـ ويقال : حايث على قلة ـ وهي هنا