يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٧٤)
(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) تذكير لنعمة عظيمة كفروا بها ـ وكان ذلك في التيه لما عطشوا ـ ففي بعض الآثار أنهم قالوا فيه : من لنا بحر الشمس ـ فظلل عليهم الغمام ـ وقالوا : من لنا بالطعام ـ فأنزل الله تعالى عليهم المن والسلوى ـ وقالوا : من لنا بالماء ـ فأمر موسى بضرب الحجر ـ وتغيير الترتيب لقصد إبراز كل من الأمور المعدود في معرض أمر مستقل واجب التذكير والتذكر ، ولو روعي الترتيب الوقوعي لفهم أن الكل أمر واحد ـ أمر بذكره ـ والاستسقاء ـ طلب ـ السقيا ـ عند عدم الماء أو قلته. قيل : ومفعول ـ استسقى ـ محذوف أي ـ ربه ـ أو ـ ماء ـ وقد تعدى هذا الفعل في الفصيح إلى ـ المستسقى منه تارة ـ وإلى ـ المستسقي أخرى ـ كما في قوله تعالى : (إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) [الأعراف : ١٦٠] وقوله :
وأبيض ـ يستسقى ـ الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
وتعديته إليهما مثل أن تقول : ـ استسقى زيد ربه الماء ـ لم نجدها في شيء من كلام العرب ـ واللام ـ متعلقة بالفعل ، وهي سببية أي لأجل قومه (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) أي فأجبناه (فَقُلْنَا) إلخ ـ والعصا ـ مؤنث ـ والألف منقلبة عن ـ واو ـ بدليل عصوان وعصوته ـ أي ضربته بالعصا ـ ويجمع على أفعل شذوذا وعلى فعول قياسا ، فيقال : أعص وعصي ، وتتبع حركة ـ العين ـ حركة ـ الصاد ـ و (الْحَجَرَ) هو هذا الجسم المعروف ، وجمعه أحجار وحجار ، وقالوا : حجارة ، واشتقوا منه فقالوا : استحجر الطين ، والاشتقاق من الأعيان قليل جدا. والمراد بهذه ـ العصا ـ المسئول عنها في قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) [طه : ١٧] والمشهور أنها من آس الجنة ـ طولها عشرة أذرع طول موسى عليهالسلام ـ لها شعبتان تتقدان في الظلمة ، توارثها صاغر عن كابر حتى وصلت إلى شعيب ومنه إلى موسى عليهماالسلام ، وقيل : رفعها له ملك في طريق مدين ، وفي المراد من (الْحَجَرَ) خلاف ، فقال الحسن : لم يكن حجرا معينا ، بل أي حجر ضربه انفجر منه الماء ، وهذا أبلغ في الإعجاز وأبين في القدرة ، وقال وهب : كان يقرع لهم أقرب حجر فتنفجر ، وعلى هذا ـ اللام ـ فيه للجنس ، وقيل : للعهد ، وهو حجر معين حمله معه من الطور مكعب له أربعة أوجه ينبع من كل وجه ثلاثة أعين ، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي أمرت أن تسقيهم ، وكانوا ستمائة ألف ما عدا دوابهم ، وسعة المعسكر اثنا عشر ميلا ، وقيل : حجر كان عند آدم وصل مع العصا إلى شعيب فدفع إلى موسى ، وقيل : هو الحجر الذي فر بثوبه ، والقصة معروفة. وقيل : حجر أخذ من قعر البحر خفيف يشبه رأس الآدمي كان يضعه في مخلاته ، فإذا احتاج للماء ضربه. والروايات في ذلك كثيرة ، وظاهر أكثرها التعارض ، ولا ينبني على تعيين هذا الحجر أمر ديني ، والأسلم تفويض علمه إلى الله تعالى.
(فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) عطف على مقدر ، أي فضرب فانفلق ، ويدل على هذا المحذوف وجود الانفجار ، ولو كان ينفجر دون ضرب لما كان للأمر فائدة ، وبعضهم يسمي هذه ـ الفاء ـ الفصيحة ويقدر شرطا أي فإن ضربت فقد «انفجرت» وفي المغني أن هذا التقدير يقتضي تقدم الانفجار على الضرب ، إلا أن يقال : المراد فقد حكمنا