بدلا من اسم (إِنَ) وخبرها (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) واختار أبو حيان أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم (إِنَ) فيصح إذ ذاك المعنى ، وكأنه قيل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) من غير الأصناف الثلاثة ، ومن آمن من الأصناف الثلاثة (فَلَهُمْ) إلخ. وقد حملت الضمائر الثلاثة باعتبار معنى الموصول ، كما أن إفراد ما في الصلة باعتبار لفظه ، وفي البحر إن هذين الحملين لا يتمان إلا بإعراب (مَنْ) مبتدأ ، وأما على إعرابها بدلا فليس فيها إلا حمل على اللفظ فقط فافهم. ثم المراد من ـ الأجر ـ الثواب الذي وعدوه على الإيمان والعمل الصالح ، فإضافته إليهم واختصاصه بهم بمجرد الوعد لا بالاستيجاب ـ كما زعمه الزمخشري رعاية للاعتزال ـ لكن تسميته ـ أجرا ـ لعدم التخلف ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) المشير إلى أنه لا يضيع لأنه عند لطيف حفيظ ، وهو متعلق بما تعلق به (فَلَهُمْ) ، ويحتمل أن يكون حالا من (أَجْرُهُمْ).
(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عطف على جملة (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) وقد تقدم الكلام على مثلها في آخر قصة آدم عليهالسلام فأغنى عن الإعادة هنا (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) تذكير بنعمة أخرى ، لأنه سبحانه إنما فعل ذلك لمصلحتهم ، والظاهر من الميثاق هنا العهد ، ولم يقل : مواثيقكم ، لأن ما أخذ على كل واحد منهم أخذ على غيره ـ فكان ميثاقا واحدا ـ ولعله كان بالانقياد لموسى عليهالسلام ، واختلف في أنه متى كان؟ فقيل : قبل رفع الطور ، ثم لما نقضوه رفع فوقهم لظاهر قوله تعالى : (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) [النساء : ١٥٤] إلخ ، وقيل : كان معه (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) ـ الواو ـ للعطف ، وقيل : للحال ، و (الطُّورَ) قيل : جبل من الجبال ، وهو سرياني معرب ، وقيل : الجبل المعين. وعن أبي حاتم عن ابن عباس أن موسى عليهالسلام لما جاءهم بالتوراة وما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم وأبوا قبولها فأمر جبريل بقلع الطور فظلله فوقهم حتى قبلوا ، وكان على قدر عسكرهم ـ فرسخا في فرسخ ـ ورفع فوقهم قدر قامة الرجل ، واستشكل بأن هذا يجري مجرى الإلجاء إلى الإيمان فينافي التكليف ، وأجاب الإمام بأنه لا إلجاء لأن الأكثر فيه خوف السقوط عليهم ، فإذا استمر في مكانه مدة ـ وقد شاهدوا السماوات مرفوعة بلا عماد ـ جاز أن يزول عنهم الخوف فيزول الإلجاء ويبقى التكليف ، وقال العلامة : كأنه حصل لهم بعد هذا الإلجاء قبول اختياري ، أو كان يكفي في الأمم السالفة مثل هذا الإيمان ـ وفيه كما قال الساليكوتي ـ إن الكلام في أنه كيف يصح التكليف ب (خُذُوا) إلخ مع القسر ، وقد تقرر أن مبناه على الاختيار ـ فالحق أنه إكراه ـ لأنه حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ولا يختاره ـ لو خلي ونفسه ـ فيكون معدما للرضا لا للاختيار إذ الفعل يصدر باختياره كما فصل في الأصول ، وهذا كالمحاربة مع الكفار ، وأما قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢٥٦] وقوله سبحانه : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] فقد كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ به (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) هو على إضمار القول أي قلنا أو قائلين (خُذُوا) وقال بعض الكوفيين. لا يحتاج إلى إضماره لأن أخذ الميثاق قول ، والمعنى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) بأن تأخذوا ما آتيناكم. ـ وليس بشيء ـ والمراد هنا ـ بالقوة ـ الجد والاجتهاد ـ كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ويؤول إلى عدم التكاسل والتغافل ، فحينئذ لا تصلح الآية دليلا لمن ادعى أن الاستطاعة قبل الفعل إذ لا يقال : خذ هذا بقوة ، إلا والقوة حاصلة فيه لأن القوة بهذا المعنى لا تنكر صحة تقدمها على الفعل (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي ادرسوه واحفظوه ولا تنسوه ، أو تدبروا معناه ، أو اعملوا بما فيه من الأحكام ، فالذكر يحتمل أن يراد به الذكر اللساني والقلبي والأعم منهما وما يكون كاللازم لهما ، والمقصود منهما أعني العمل (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) قد تقدم الكلام على الترجي في كلامه تعالى ، وقد ذكر هاهنا أن كلمة ـ لعل ـ متعلقة ـ بخذوا ، واذكروا ـ إما مجاز يؤول معناه بعد الاستعارة إلى تعليل ذي الغاية بغايته أو حقيقة لرجاء المخاطب ، والمعنى (خُذُوا) واذكروا راجين أن