لأن الصفرة ـ وإن استعملها العرب بهذا المعنى ـ نادرا كما أطلقوا الأسود على الأخضر لكنه في الإبل خاصة على ما قيل في قوله تعالى : (جِمالَتٌ صُفْرٌ) [المرسلات : ٣٣] لأن سواد الإبل تشوبه صفرة وتأكيده بالفقوع ينافيه لأنه من وصف الصفرة في المشهور ، نعم ذكر في اللمع أنه يقال : أصفر فاقع ، وأحمر فاقع ، ويقال في الألوان : كلها فاقع وناصع إذا أخلصت فعليه لا يرد ما ذكر ، ومن الناس من قال : إن الصفرة استعيرت هنا للسواد ، وكذا فاقع لشديد السواد وهو ترشيح ويجعل سواده من جهة البريق واللمعان ـ وليس بشيء ، وجوز بعضهم أن يكون (لَوْنُها) مبتدأ وخبره إما (فاقِعٌ) أو الجملة بعده ، والتأنيث على أحد معنيين ، أحدهما لكونه أضيف إلى مؤنث كما قالوا : ذهبت بعض أصابعه ، والثاني أنه يراد به المؤنث إذ هو الصفرة فكأنه قال : صفرتها (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) ولا يخفى بعد ذلك. و ـ السرور ـ أصله لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه أو رؤية أمر معجب رائق ، وأما نفسه فانشراح مستبطن فيه ـ وبين السرور ، والحبور ، والفرح ـ تقارب لكن السرور هو الخالص المنكتم سمي بذلك اعتبارا بالإسرار ، والحبور ما يرى حبره ـ أي أثره ـ في ظاهر البشرة وهما يستعملان في المحمود. وأما الفرح فما يحصل بطرا وأشرا ولذلك كثيرا ما يذم كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] والمراد به هنا عند بعض الإعجاب مجازا للزومه له غالبا ، والجملة صفة البقرة أي تعجب الناظرين إليها. وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة ولهذا كان علي كرم الله تعالى وجهه يرغب في النعال الصفر ويقول من لبس نعلا أصفر قل همه ، ونهى ابن الزبير ويحيى بن أبي كثير عن لباس النعال السود لأنها تغم ، وقرئ ـ يسر ـ بالياء فيحتمل أن يكون (لَوْنُها) مبتدأ ـ ويسر ـ خبره ويكون (فاقِعٌ) صفة تابعة لصفراء على حد قوله :
وإني لأسقي الشرب (صفراء فاقعا) |
|
كأن ذكي المسك فيها يفتق |
إلا أنه قليل حتى قيل : بابه الشعر ، ويحتمل أن يكون لونها فاعلا ب (فاقِعٌ) و ـ يسر ـ إخبار مستأنف.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) إعادة للسؤال عن الحال والصفة لا لرد الجواب الأول ـ بأنه غير مطابق وأن السؤال باق على حاله ـ بل لطلب الكشف الزائد على ما حصل وإظهار أنه لم يحصل البيان التام.
(إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) تعليل لقوله تعالى : (ادْعُ) كما في قوله تعالى : (صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [التوبة : ١٠٣] وهو اعتذار لتكرير السؤال أي إن البقر الموصوف بما ذكر كثير فاشتبه علينا ، والتشابه مشهور في البقر ، وفي الحديث «فتن كوجوه البقر» أي يشبه بعضها بعضا وقرأ يحيى وعكرمة ـ والباقر ان الباقر ـ وهو اسم لجماعة البقر ، والبقر اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء ومثله يجوز تذكيره وتأنيثه ، ـ كنخل منقعر ، والنخل باسقات ـ وجمعه أباقر ، ويقال فيه : بيقور وجمعه بواقر ، وفي البحر إنما سمي هذا الحيوان بذلك لأنه يبقر الأرض أي يشقها للحرث ، وقرأ الحسن «تشابه» بضم الهاء جعله مضارعا محذوف التاء وماضيه «تشابه» ـ وفيه ضمير يعود على البقر على أنه مؤنث ، والأعرج كذلك إلا أنه شدد الشين ، والأصل ـ تتشابه ـ فأدغم ، وقرئ تشبه ـ بتشديد الشين ـ على صيغة المؤنث من المضارع المعلوم ، «ويشبه» بالياء والتشديد على صيغة المضارع المعلوم أيضا ، وابن مسعود ـ «يشّابه» ـ بالياء والتشديد جعله مضارعا من تفاعل لكنه أدغم التاء في الشين ، وقرئ «مشتبه» ، و «متشبه» ، و «يتشابه» ـ والأعمش ـ «متشابه» و «متشابهة» ـ وقرئ ـ «تشابهت» ـ بالتخفيف ، وفي مصحف أبيّ بالتشديد ، واستشكل بأن التاء لا تدغم إلا في المضارع ، وليس في زنة الأفعال فعل ماض على تفاعل بتشديد الفاء ووجه بأن أصله ـ إن البقرة تشابهت ـ فالتاء الأولى من البقرة ، والثانية من الفعل فلما اجتمع مثلان أدغم نحو ـ الشجرة تمايلت ـ إلا أن جعل