التشابه في بقرة ركيك ، والأهون القول بعدم ثبوت هذه القراءة فإن دون تصحيحها على وجه وجيه خرط القتاد ، ويشكل أيضا ـ تشابه ـ من غير تأنيث لأنه كان يجب ثبوت علامته إلا أن يقال : إنه على حد قوله :
ولا أرض أبقل إبقالها
وابن كيسان يجوزه في السعة (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) أي إلى عين البقرة المأمور بذبحها ، أو لما خفي من أمر القاتل ، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا ، وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ـ مرفوعا معضلا ـ وسعيد عن عكرمة ـ مرفوعا مرسلا ـ وابن أبي حاتم عن أبي هريرة ـ مرفوعا موصولا ـ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «لو لم يستثنوا لما تبينت لهم آخر الأبد» واحتج بالآية على أن الحوادث بإرادة الله حيث علق فيما حكاه وجود الاهتداء الذي هو من جملة الحوادث بتعلق المشيئة وهي نفس الإرادة وما قصه الله تعالى في كتابه من غير نكير فهو حجة على ما عرف في محله ، وهذا مبني على القول بترادف المشيئة والإرادة ، وفيه خلاف وأن كون ما ذكر بالإرادة مستلزم لكون جميع الحوادث بها ـ وفيه نظر ـ واحتج أيضا بها على أن الأمر قد ينفك عن الإرادة وليس هو الإرادة كما يقوله المعتزلة لأنه تعالى لما أمرهم بالذبح فقد أراد اهتداءهم في هذه الواقعة فلا يكون لقوله : إن شاء الله الدال على الشك وعدم تحقق الاهتداء فائدة بخلاف ما إذا قلنا : إنه تعالى قد يأمر بما لا يريد ، والقول بأنه يجوز أن يكون أولئك معتقدين على خلاف الواقع للانفكاك ، أو يكون مبنيا على ترددهم في كون الأمر منه تعالى يدفعه التقرير إلا أنه يرد أن الاحتجاج إنما يتم لو كان معنى (لَمُهْتَدُونَ) الاهتداء إلى المراد بالأمر أما لو كان المراد إن شاء الله اهتداءنا في أمر ما لكنا مهتدين فلا إلا أنه خلاف الظاهر كالقول بأن اللازم أن يكون المأمور به وهو الذبح مرادا ولا يلزمه الاهتداء إذ يجوز أن يكون لتلك الإرادة حكمة أخرى بل هذا أبعد بعيد ، والمعتزلة والكرامية يحتجون بالآية على حدوث إرادته تعالى بناء على أنها والمشيئة سواء لأن كلمة (إِنَ) دالة على حصول الشرط في الاستقبال وقد تعلق الاهتداء الحادث بها ، ويجاب بأن التعليق باعتبار التعلق فاللازم حدوث التعلق ولا يلزمه حدوث نفس الصفة وتوسط الشرط بين اسم (إِنَ) وخبرها لتتوافق رءوس الآي ، وجاء خبر (إِنَ) اسما لأنه أدل على الثبوت وعلى أن الهداية حاصلة لهم وللاعتناء بذلك أكد الكلام.
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) صفة (بَقَرَةٌ) وهو من الوصف بالمفرد ، ومن قال : هو من الوصف بالجملة ، وان التقدير لا هي ذلول فقد أبعد عن الصواب ، و (لا) بمعنى غير ، وهو اسم على ما صرح به السخاوي وغيره لكن لكونها في صورة الحرف ظهر إعرابها فيما بعدها ، ويحتمل أن تكون حرفا ـ كالا ـ التي بمعنى غير في مثل قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] و ـ الذلول ـ الريض الذي زالت صعوبته يقال دابة ذلول بينة الذل بالكسر ، ورجل ذلول بين الذل بالضم (تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) (لا) صلة لازمة لوجوب التكرار في هذه الصورة وهي مفيدة للتصريح بعموم النفي إذ بدونها يحتمل أن يكون لنفي الاجتماع ، ولذا تسمى المذكرة و ـ الإثارة ـ قلب الأرض للزراعة من أثرته إذا هيجته ، و (الْحَرْثَ) الأرض المهيأة للزرع أو هو شق الأرض ليبذر فيها ويطلق على ما حرث وزرع ، وعلى نفس الزرع أيضا ، والفعلان صفتا (ذَلُولٌ) والصفة يجوز وصفها على ما ارتضاه بعض النحاة وصرح به السمين والفعل الأول داخل في حيز النفي والمقصود نفي إثارتها الأرض ـ أي لا تثير الأرض ـ فتذل فهو من باب على لاحب لا يهتدي بمناره ففيه نفي للأصل والفرع معا ، وانتفاء الملزوم بانتفاء اللازم ، قال الحسن : كانت هذه البقرة وحشية ولهذا وصفت بأنها لا تثير الأرض إلخ ، وذهب قوم إلى أن تثير مثبت لفظا ومعنى ، وأنه أثبت للبقرة أنها تثير الأرض وتحرثها ونفى عنها سقي الحرث ، ورد بأن ما كان يحرث لا ينتفي عنه كونه