ملحوظا فيه معنى العطف ، واكتفى بالضمير ، والربط به عن الواو كما في البحر (سُبْحانَهُ) تنزيه وتبرئة له تعالى عما قالوا : بأبلغ صيغة ومتعلق ـ سبحان ـ محذوف كما ترى لدلالة الكلام عليه.
(بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إبطال لما زعموه وإضراب عما تقتضيه مقالتهم الباطلة من التشبيه بالمحدثات في التناسل والتوالد ، والحاجة إلى الولد في القيام بما يحتاج الوالد إليه ، وسرعة الفناء لأنه لازم للتركيب اللازم للحاجة ، وكل محقق قريب سريع ، ولأن الحكمة في التوالد هو أن يبقى النوع محفوظا بتوارد الأمثال فيما لا سبيل إلى بقاء الشخص بعينه مدة بقاء الدهر. وكل ذلك يمتنع على الله تعالى فإنه الأبدي الدائم والغني المطلق المنزه عن مشابهة المخلوقات. واللام في (لَهُ) قيل للملك ، وقيل : إنها كالتي في قولك لزيد ـ ضرب ـ تفيد نسبة الأثر إلى المؤثر ، وقيل : للاختصاص بأي وجه كان ، وهو الأظهر ، والمعنى ليس الأمر كما افتروا بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها ما زعموه ولدا ، والخالق لكل موجود لا حاجة له إلى الولد إذ هو يوجد ما يشاء منزها عن الاحتياج إلى التوالد (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي كل ما فيهما كائنا ما كان جميعا منقادون له لا يستعصي شيء منهم على مشيئته وتكوينه إيجادا وإعداما وتغيرا من حال إلى حال ، وهذا يستلزم الحدوث والإمكان المنافي للوجوب الذاتي فكل من كان متصفا بهذه الصفة لا يكون والدا لأن من حق الولد أن يشارك والده في الجنس لكونه بعضا منه ، وإن لم يماثله ، وكان الظاهر كلمة من مع (قانِتُونَ) كيلا يلزم اعتبار التغليب فيه ، ويكون موافقا لسوق الكلام فإن الكلام في العزير والمسيح والملائكة وهم عقلاء إلا أنه جاء بكلمة (ما) المختصة بغير أولي العلم كما قاله بعضهم : محتجا بقصة الزبعرى مخالفا لما عليه الرضيّ من أنها في الغالب لما يعلم ، ولما عليه الأكثرون من عمومها كما في التلويح ، واعتبر التغليب في (قانِتُونَ) إشارة إلى أن هؤلاء الذين جعلوهم ولد الله تعالى سبحانه وتعالى في جنب عظمته جمادات مستوية الأقدام معها في عدم الصلاحية لاتخاذ الولد ، وقيل : أتى بما في الأول لأنه إشارة إلى مقام الألوهية ، والعقلاء فيه بمنزلة الجمادات ، وبجمع العقلاء في الثاني لأنه إشارة إلى مقام العبودية ، والجمادات فيه بمنزلة العقلاء.
ويحتمل أن يقدر المضاف إليه كل ما جعلوه ولدا لدلالة المقول لا عاما لدلالة مبطلة ، ويراد بالقنوت الانقياد لأمر التكليف كما أنه على العموم الانقياد لأمر التكوين ، وحينئذ لا تغليب في (قانِتُونَ) وتكون الجملة إلزاما بأن ما زعموه ولدا مطيع لله تعالى مقر بعبوديته بعد إقامة الحجة عليهم بما سبق ، وترك العطف للتنبيه على استقلال كل منهما في الدلالة على الفساد واختلافهما في كون أحدهما حجة والآخر إلزاما ، وعلى الأول يكون الأخير مقررا لما قبله ، وذكر الجصاص أن في هذه الآية دلالة على أن ملك الإنسان لا يبقى على ولده لأنه نفي الولد بإثبات الملك باعتبار أن اللام له فمتى ملك ولده عتق عليه ، وقد حكم صلى الله تعالى عليه وسلم بمثل ذلك في الوالد إذا ملكه ولده ؛ ولا يخفى أن هذا بعيد عما قصد بالآية لا سيما إذا كان الأظهر الاختصاص كما علمت (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مبدعهما فهو فعيل من أفعل وكان الأصمعي ينكر فعيلا بمعنى مفعل ، وقال ابن بري : قد جاء كثيرا نحو مسخن وسخين. ومقعد وقعيد. وموصى ووصي. ومحكم وحكيم. ومبرم وبريم. ومونق وأنيق في أخوات له ، ومن ذلك السميع في بيت عمرو بن معديكرب السابق. والاستشهاد بناء على الظاهر المتبادر على ما هو الأليق بمباحث العربية فلا يرد ما قيل في البيت لأنه على خلافه كما لا يخفى على المنصف ، وقيل : هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف أي بديع سماواته. وأنت تعلم أنه قد تقرر أن الصفة إذا أضيفت إلى الفاعل يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا إذا صح اتصاف الموصوف بها نحو ـ حسن الوجه ـ حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الإخوان لاتصافه بأنه متقوّ بهم. وفيما نحن فيه ـ