عليه حال كونه في موضعه اليوم؟! وهو بعيد من الحجر الأسود بسبعة وعشرين ذراعا ، وأيضا المشهور أن دعوة الناس إلى الحج كانت فوق أبي قبيس فإنه صعده بعد الفراغ من عمارة البيت ونادى أيها الناس حجوا بيت ربكم فإن لم يكن الحجر معه حينئذ أشكل القول بأنه قام عليه ودعا وإن كان معه وكان الوقوف عليه فوق الجبل ـ كما يشير إليه كلام روضة الأحباب ، وبه يحصل الجمع ـ أشكل التعيين بما هو اليوم وغاية التوجيه أن يقال لا شك أنه عليهالسلام كان يحول الحجر حين البناء من موضع إلى موضع ويقوم عليه فلم يكن له موضع معين ، وكذا حين الدعوة لم يكن عند البيت بل فوق أبي قبيس فلا بد من صرف عباراتهم عن ظاهرها بأن يقال الموضع الذي كان ذلك الحجر في أثناء زمان قيامه عليه واشتغاله بالدعوة ، أو رفع البناء لا حالة القيام عليه ، ووقع في بعض الكتب أن هذا المقام الذي فيه الحجر الآن كان بيت إبراهيم عليهالسلام ، وكان ينقل هذا الحجر بعد الفراغ من العمل إليه ، وأن الحجر بعد إبراهيم كان موضوعا في جوف الكعبة ، ولعل هذا هو الوجه في تخصيص هذا الموضع بالتحويل ، وما وقع في الفتح من أنه كان المقام من عهد إبراهيم لزيق البيت معناه بعد إتمام العمارة فلا ينافي أن يكون في أثنائها في الموضع الذي فيه اليوم ـ كذا ذكره بعض المحققين فليفهم ـ وسبب النزول ما أخرجه أبو نعيم من حديث ابن عمر «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ بيد عمر رضي الله تعالى عنه فقال : يا عمر هذا مقام إبراهيم فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى فقال : لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت هذه الآية» والأمر فيها للاستحباب إذ المتبادر ـ من ـ المصلى ـ موضع الصلاة مطلقا ، وقيل : المراد به الأمر بركعتي الطواف لما أخرجه مسلم عن جابر «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ، وقرأ الآية» فالأمر للوجوب على بعض الأقوال ، ولا يخفى ضعفه لأن فيه التقييد بصلاة مخصوصة من غير دليل ، وقراءته عليه الصلاة والسلام الآية حين أداء الركعتين لا يقتضي تخصيصه بهما ، وذهب النخعي ومجاهد إلى أن المراد من مقام إبراهيم الحرم كله ، وابن عباس وعطاء إلى أنه مواقف الحج كلها ، والشعبي إلى أنه عرفة ومزدلفة والجمار ، ومعنى ـ اتخاذها مصلى ـ أن يدعى فيها ويتقرب إلى الله تعالى عندها ، والذي عليه الجمهور ، هو ما قدمناه أولا ، وهو الموافق لظاهر اللفظ ولعرف الناس اليوم وظواهر الأخبار تؤيده ، وقرأ نافع وابن عامر «واتخذوا» بفتح الخاء على أنه فعل ماض ، وهو حينئذ معطوف على (جَعَلْنَا) أي ـ واتخذ الناس ـ من مكان إبراهيم الذي عرف به وأسكن ذريته عنده ـ وهو الكعبة قبلة يصلون إليها. فالمقام مجاز عن ذلك المحل وكذا ـ المصلى ـ بمعنى القبلة مجاز عن المحل الذي يتوجه إليه في الصلاة بعلاقة القرب والمجاورة (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) أي وصينا أو أمرنا أو أوحينا أو قلنا ، والذي عليه المحققون أن العهد إذا تعدى ب (إِلى) يكون بمعنى التوصية ، ويتجوز به عن الأمر ، وإسماعيل علم أعجمي قيل : معناه بالعربية مطيع الله ، وحكي أن إبراهيم عليهالسلام كان يدعو أن يرزقه الله تعالى ولدا ، ويقول : ـ اسمع إيل ـ أي استجب دعائي يا الله فلما رزقه الله تعالى ذلك سماه بتلك الجملة ، وأراه في غاية البعد وللعرب فيه لغتان اللام والنون (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) أي بأن (طَهِّرا) على أن (أَنْ) مصدرية وصلت بفعل الأمر بيانا للموصى المأمور به ، وسيبويه. وأبو علي جوزا كون صلة الحروف المصدرية أمرا أو نهيا والجمهور منعوا ذلك مستدلين بأنه إذا سبك منه مصدر فات معنى الأمر ، وبأنه يجب في الموصول الاسمي كون صلته خبرية. والموصول الحرفي مثله ، قدروا هنا ـ قلنا ـ ليكون مدخول الحرف المصدري خبرا ، ويردّ عليهم أولا أن كونه مع الفعل بتأويل المصدر لا يستدعي اتحاد معناهما ضرورة عدم دلالة المصدر على الزمان مع دلالة الفعل عليه ، وثانيا أن وجوب كون الصلة خبرية في الموصول الاسمى إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهي لا توصف بها إلا إذا كانت خبرية ، وأما الموصول الحرفي فليس كذلك ، وثالثا أن تقدير ـ قلنا ـ يفضي إلى أن يكون المأمور به القول ، وليس كذلك ، وجوز أن تكون (أَنْ) هذه مفسرة لتقدم ما