(وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) وهي الكتب التي خصت من خصته منهم ، أو ما يشمل ذلك والمعجزات ، وهو تعميم بعد التخصيص كيلا يخرج من الإيمان أحد من الأنبياء (مِنْ رَبِّهِمْ) متعلق ب (أُوتِيَ) قبله ، والضمير ـ للنبيين ـ خاصة ، وقيل : ل (مُوسى وَعِيسى) أيضا ، ويكون (ما أُوتِيَ) تكريرا للأولى ، والجار متعلقا بها ، وهو ـ على التقديرين ـ ظرف لغو ، وجوّز أن يكون في موضع الحال من العائد المحذوف ، واحتمال أن يكون (ما) مبتدأ والجار خبره بعيد (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) أي كما فرق أهل الكتاب ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ـ بل نؤمن بهم جميعا ـ وإنما اعتبر عدم التفريق بينهم ، مع أن الكلام فيما أوتوه لاستلزام ذلك ـ عدم التفريق ـ فيه بين ـ ما أوتوه ـ و (أَحَدٍ) أصله ـ وحد ـ بمعنى ـ واحد ـ وحيث وقع في سياق النفي عم واستوى فيه ـ الواحد والكثير ـ وصح إرادة كل منهما ـ وقد أريد به هنا الجماعة ـ ولهذا ساغ أن يضاف إليه (بَيْنَ) ويفيد عموم الجماعات ـ كذا قاله بعض المحققين ـ وهو مخالف لما هو المشهور عند أرباب العربية من أن الموضوع في النفي العام أو المستعمل مع كل في الإثبات ـ همزته ـ أصلية بخلاف ما استعمل في الإثبات بدون كل فإن ـ همزته ـ منقلبة عن ـ واو ـ ومن هنا قال العلامة التفتازاني : إن (أَحَدٍ) في معنى الجماعة بحسب الوضع لأنه اسم لمن يصلح أن يخاطب يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع ، ويشترط أن يكون استعماله مع كلمة ـ كل ـ أو مع النفي ، نص على ذلك أبو عليّ وغيره من أئمة العربية ، وهذا غير ـ الأحد ـ الذي هو أول العدد في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي ـ على ما سبق ـ إلى كثير من الأوهام ، ألا ترى أنه لا يستقيم (لا نُفَرِّقُ) بين رسول من الرسل إلا بتقدير عطف أي رسول ورسول ، و (لَسْتُنَّ ـ كَأَحَدٍ ـ مِنَ النِّساءِ) [الأحزاب : ٣٢] ليس في معنى ـ كامرأة منهن ـ انتهى. وأنت ـ بعد التأمل ـ تعلم أن ما ذكره العلامة لا يرد على ذلك البعض ، وإنما ترد عليه المخالفة في الأصالة وعدمها فقط ـ ولعل الأمر فيها سهل ـ على أن دعوى عدم تلك الاستقامة إلا بذلك التقدير غير مجمع عليه ، فقد ذكر في الانتصاف أن النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم لفظا عموما شموليا حتى ينزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناوله ـ الآحاد ـ مطابقة ، لا كما ظنه بعض الأصوليين من أن مدلولها بطريق المطابقة في النفي كمدلولها في الإثبات ، وجعل هذا التعدد والعموم وضعا هو المسوّغ لدخول (بَيْنَ) عليها هنا ، ومن الناس من جوّز كون (أَحَدٍ) في الآية بمعنى واحد ، وعمومه بدلي ، وصحة دخول (بَيْنَ) عليه باعتبار معطوف قد حذف لظهوره (بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) وغيره ، وفيه من الدلالة على تحقق التفريق بين كل فرد فرد منهم ، وبين من عداه كائنا من كان ما ليس في أن يقال : (لا نُفَرِّقُ) بينهم ـ ولا يخفى ما فيه ـ والجملة حال من الضمير في (آمَنَّا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي خاضعون لله تعالى بالطاعة ، مذعنون بالعبودية ، وقيل : منقادون لأمره ونهيه ، ومن جعل الضمير المجرور لما تقدم ذكره من الأنبياء فقد أبعد ، والجملة حال أخرى ، أو عطف على (آمَنَّا).
(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧) صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ