ذكر من النعوت ، والتكرير لإظهار كمال العناية بهم ، ويجوز أن يكون إشارة إليهم باعتبار حيازتهم ما ذكر من ـ الصلوات والرحمة ـ المترتبة على ما تقدم ، فعلى الأول المراد بالاهتداء في قوله عزّ شأنه (هُمُ الْمُهْتَدُونَ). هو الاهتداء للحق والصواب مطلقا ؛ والجملة مقررة لما قبل كأنه قيل : وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حق وصواب ، ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى ، وعلى الثاني هو «الاهتداء» والفوز بالمطالب ، والمعنى (أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) [التوبة : ٢٠] بمطالبهم الدينية والدنيوية فإن من نال تزكية الله تعالى ورحمته لم يفته مطلب.
«ومن باب الإشارة والتأويل» (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان العياني (اسْتَعِينُوا) بالصبر معي عند سطوات تجليات عظمتي وكبريائي ، والصلاة أي الشهود الحقيقي (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) المطيقين لتجليات أنواري (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ) يجعل فانيا مقتولا في سلوك سبيل التوحيد (أَمْواتٌ) أي عجزة مساكين (بَلْ) هم (أَحْياءٌ) عند ربهم بالحياة الحقيقية الدائمة السرمدية شهداء لله تعالى قادرون به (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) لعمى بصيرتكم وحرمانكم من النور الذي تبصر به القلوب أعيان عالم القدس وحقائق الأرواح (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) أي خوفي الموجب لانكسار النفس وانهزامها (وَالْجُوعِ) الموجب لهتك البدن وضعف القوى ورفع حجاب الهوى وتضييق مجاري الشيطان إلى القلب (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) التي هي مواد الشهوات المقوية للنفس الزائدة في طغيانها (وَالْأَنْفُسِ) المستولية على القلب بصفاتها أو أنفس الأحباب الذين تأوون إليهم لتنقطعوا إلي (وَالثَّمَراتِ) أي الملاذ النفسانية لتلتذوا بالمكاشفات والمعارف القلبية والمشاهدات الروحية عند صفاء بواطنكم وخلوص نضار قلوبكم بنار الرياضة (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) معي بي أو عن مألوفاتهم بلذة محبتي (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) من تصرفاتي فيهم شاهدوا آثار قدرتي بل أنوار تجليات صفتي واستسلموا وأيقنوا أنهم ملكي أتصرف فيه بتجلياتي وتفانوا فيّ وشاهدوا هلكهم بي ـ فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ـ بالوجود الموهوب لهم بعد الفناء المنهلة عليه صفاتي الساطعة عليه أنواري (وَرَحْمَةٌ) أي هداية يهدون بها خلقي ، ومن أراد التوجه نحوي (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) بي الواصلون إلي بعد تخلصهم من وجودهم الذي هو الذنب الأعظم عندي.
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى