وانتصاب (أَيَّاماً) ليس بالصيام كما قيل لوقوع الفصل بينهما بأجنبي بل بمضمر دل هو عليه أعني صوموا إما على الظرفية أو المفعولية اتساعا ، وقيل : منصوب بفعل يستفاد من كاف التشبيه ، وفيه بيان لوجه المماثلة كأنه قيل : كتب عليكم الصيام مماثلا لصيام الذين من قبلكم في كونه (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أي المماثلة واقعة بين الصيامين من هذا الوجه وهو تعلق كل منهما بمدة غير متطاولة ، فالكلام من قبيل زيد كعمرو فقها ، وقيل : نصب على أنه مفعول ثان ـ لكتب ـ على الاتساع ورده في البحر بأن الاتساع مبني على جواز وقوعه ظرفا ـ لكتب ـ وذا لا يصح لأن الظرف محل الفعل ، والكتابة ليست واقعة في الأيام وإنما الواقع فيها متعلقها وهو الصيام ، وأجيب بأنه يكفي للظرفية ظرفية المتعلق كما في (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الحج : ٧٠ ، العنكبوت : ٥٢ ، التغابن : ٤] وبأن معنى (كُتِبَ) فرض ، وفرضية الصيام ، واقعة في الأيام (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) مرضا يعسر عليه الصوم معه كما يؤذن به قوله تعالى فيما بعد : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وعليه أكثر الفقهاء ، وذهب ابن سيرين ، وعطاء ، والبخاري إلى أن المرخص مطلق المرض عملا بإطلاق اللفظ ، وحكي أنهم دخلوا على ابن سيرين في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع إصبعه وهو قول للشافعية (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أو راكب سفر مستعل عليه متمكن منه بأن اشتغل به قبل الفجر ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر ولهذا المعنى أوثر على مسافرا ، واستدل بإطلاق السفر على أن القصير وسفر المعصية مرخص للإفطار ، وأكثر العلماء على تقييده بالمباح وما يلزمه العسر غالبا وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر من أيام أخر إن أفطر وحذف الشرط والمضافان للعلم بهما ، أما الشرط فلأن المريض والمسافر داخلان في الخطاب العام فدل على وجوب الصوم عليهما فلو لم يتقيد الحكم هنا به لزم أن يصير المرض والسفر اللذان هما من موجبات اليسر شرعا وعقلا موجبين للعسر ، وأما المضاف الأول فلأن الكلام في الصوم ووجوبه ، وأما الثاني فلأنه لما قيل ـ من كان مريضا أو مسافرا فعليه عدة ـ أي أيام معدودة موصوفة بأنها من أيام أخر علم أن المراد معدودة بعدد أيام المرض والسفر واستغنى عن الإضافة وهذا الإفطار مشروع على سبيل الرخصة فالمريض والمسافر إن شاءا صاما وإن شاءا أفطرا كما عليه أكثر الفقهاء إلا أن الإمام أبا حنيفة ومالكا قالا : الصوم أحب. والشافعي وأحمد والأوزاعي قالوا : الفطر أحب ، ومذهب الظاهرية وجوب الإفطار وأنهما إذا صاما لا يصح صومهما لأنه قبل الوقت الذي يقتضيه ظاهر الآية ، ونسب ذلك إلى ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ـ وبه قال الإمامية ـ وأطالوا بالاستدلال على ذلك بما رووه عن أهل البيت ، واستدل بالآية على جواز القضاء متتابعا ومتفرقا وأنه ليس على الفور خلافا لداود. وعلى أن من أفطر رمضان كله قضى ـ أياما معدودة ـ فلو كان تاما لم يجزه شهر ناقص أو ناقصا لم يلزمه شهر كامل خلافا لمن خالف في الصورتين ، واحتج بها أيضا من قال : لا فدية مع القضاء وكذا من قال : إن المسافر إذا أقام والمريض إذا شفي أثناء النهار لم يلزمهما الإمساك بقيته لأن الله تعالى إنما أوجب عدة من أيام أخر وهما قد أفطرا فحكم الإفطار باق لهما ومن حكمه أن لا يجب أكثر من يوم ولو أمرناه بالإمساك ثم القضاء لأوجبنا بدل اليوم أكثر منه ، ولا يخفى ما فيه ، وقرئ ـ فعدة ـ بالنصب على أنه مفعول لمحذوف أي فليصم عدة ومن قدر الشرط هناك قدره هنا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي وعلى المطيقين للصيام إن أفطروا.
(فِدْيَةٌ) أي إعطاؤها (طَعامُ مِسْكِينٍ) وهي قدر ما يأكله كل يوم وهي نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق ومد عند أهل الحجاز لكل يوم وكان ذلك في بدء الإسلام لما أنه قد فرض عليهم الصوم وما كانوا متعودين له فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي