ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم راجعا وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي بسببها فقال : يا رسول الله أيحل أن أتزوجها ـ وفي رواية ـ إنها تعجبني فنزلت» وتعقب ذلك السيوطي بأن هذا ليس سببا لنزول هذه الآية وإنما هو سبب في نزول آية النور [٣] (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) وروى السدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هذه نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : «ما هي يا عبد الله؟ فقال : هي يا رسول الله تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله فقال يا عبد الله هي مؤمنة قال عبد الله : فوالذي بعثك بالحق نبيا لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا : أنكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أنسابهم فأنزل الله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا) الآية» وقرئ بفتح ـ التاء ـ وبضمها وهو المروي عن الأعمش أي لا تتزوجوهن أو لا تزوجوهن من المسلمين وحمل كثير من أهل العلم المشركات على ما عدا الكتابيات فيجوز نكاح الكتابيات عنده لقوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) [البينة : ١] و (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة : ١٠٥] والعطف يقتضي المغايرة ؛ وأخرج ابن حميد عن قتادة المراد بالمشركات مشركات العرب التي ليس لهن كتاب ، وعن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس به فقلت : أليس الله تعالى يقول : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ)؟ فقال : إنما ذلك المجوسيات وأهل الأوثان ، وذهب البعض إلى أنها تعم الكتابيات قيل : لأن من جحد نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام فقد أنكر معجزته وأضافها إلى غيره تعالى وهذا هو الشرك بعينه ولأن الشرك وقع في مقابلة الإيمان فيما بعد ولأنه تعالى أطلق الشرك على أهل الكتاب لقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] إلى قوله سبحانه : (عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة : ٣٠] وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال حرم الله تعالى المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله تعالى ، وإلى هذا ذهب الإمامية وبعض الزيدية ، وجعلوا آية [المائدة : ٥] (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) منسوخة بهذه الآية نسخ الخاص بالعام وتلك وإن تأخرت تلاوة مقدمة نزولا والإطباق على أن سورة المائدة لم ينسخ منها شيء ممنوع ففي الإتقان ومن [المائدة : ٢ ، ٩٧] قوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) منسوخ بإباحة القتال فيه وقوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) [المائدة : ٤٢] منسوخ بقوله سبحانه : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٩] وقوله تعالى : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) [المائدة : ١٠٦] منسوخ بقوله عز شأنه : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] والمشهور الذي عليه العمل أن هذه الآية قد نسخت بما في المائدة على ما يقتضيه الظاهر ، فقد أخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهم للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم ، وعن الحسن ومجاهد مثل ذلك وهو الذي ذهب إليه الحنفية والشافعية يقولون بالتخصيص دون النسخ ، ومبنى الخلاف أن قصر العام بكلام مستقل تخصيص عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ونسخ عندنا (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) تعليل للنهي وترغيب في مواصلة المؤمنات صدر بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الانزجار ، وأصل أمة أمو حذفت لامها على غير قياس وعوض عنها هاء التأنيث ويدل على أن لامها واو رجوعها في الجمع كقوله :