أما الإماء فلا يدعونني ولدا |
|
إذا تداعى بنو الأموان بالعار |
وظهورها في المصدر يقال : هي أمة بينة الأموة وأقرت له بالأموّة ، وهل وزنها فعلة ـ بسكون العين أو فعلة ـ بفتحها.؟ قولان اختار الأكثرون ثانيهما ، وتجمع على آم وهو في الاستعمال دون إماء وأصله أأمو ـ بهمزتين ـ الأولى مفتوحة زائدة ، والثانية ساكنة هي فاء الكلمة ، فوقعت ـ الواو ـ طرفا مضموما ما قبلها في اسم معرب ولا نظير له فقلبت ـ ياء والضمة قبلها كسرة لتصح الياء ـ فصار الاسم من قبيل ـ غاز وقاض ـ ثم قلبت ـ الهمزة الثانية ألفا لسكونها بعد همزة أخرى مفتوحة ـ فصارا آم وإعرابه كقاض ، والظاهر أن المراد ـ بالأمة ـ ما تقابل الثانية الحرة ، وسبب النزول يؤيد ذلك لأنه العيب على من تزوج الأمة والترغيب في نكاح حرّة مشركة ، ففي الآية تفضيل الأمة المؤمنة على المشركة مطلقا ـ ولو حرّة ـ ويعلم منه تفضيل الحرّة عليها بالطريق الأولى ، ثم إنّ التفضيل يقتضي أنّ في الشركة خيرا ، فإما أن يراد بالخير الانتفاع الدنيوي وهو مشترك بينهما ، أو يكون على حد (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) [الفرقان : ٢٤] وقيل : المراد ـ بالأمة ـ المرأة حرّة كانت أو مملوكة فإن الناس كلهم عبيد الله تعالى وإماؤه ، ولا تحمل على الرقيقة لأنه لا بدّ من تقدير الموصوف في (مُشْرِكَةٍ) فإن قدر «أمة» بقرينة السياق لم يفد خيرية الأمة المؤمنة على الحرة المشركة ، وإن قدر حرّة أو امرأة كان خلاف الظاهر ، والمذكور في سبب النزول التزوج ـ بالأمة ـ بعد عتقها. و «الأمة» بعد العتق حرة ولا يطلق عليها «أمة» إلا باعتبار مجاز الكون والحق أن «الأمة» بمعنى ـ الرقيقة ـ كما هو المتبادر ، وأن الموصوف المقدر ل (مُشْرِكَةٍ) عام ـ وكونه خلاف الظاهر ـ خلاف الظاهر.
وعلى تقدير التسليم هو مشترك الإلزام ، ولعل ارتكاب ذلك آخرا أهون من ارتكابه أول وهلة إذ هو من قبيل نزع الخف قبل الوصول إلى الماء ـ وما في سبب النزول مؤيد لا دليل عليه ـ وقد قيل فيه : إنّ عبد الله نكح أمة ـ إن حقا وإن كذبا ـ فالمعنى (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) مع ما فيها من خساسة الرق وقلة الخطر (خَيْرٌ) مما اتصفت بالشرك مع ما لها من شرف الحرّية ورفعة الشأن (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) لجمالها ومالها وسائر ما يوجب الرغبة فيها ، أخرج سعيد بن منصور وابن ماجة ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «لا تنكحوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهنّ أن تطغيهن ، وانكحوهن على الدين فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل» وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» والواو للحال ـ ولو لمجرّد الفرض ـ مجرّدة عن معنى الشرط ولذا لا تحتاج إلى الجزاء والتقدير مفروضا إعجابها لكن بالحسن ونحوه ، وقال الجرمي : الواو للعطف على مقدّر أي لم تعجبكم (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) وجواب الشرط محذوف دل عليه الجملة السابقة ، وقال الرضي : إنها اعتراضية تقع في وسط الكلام وآخره ، وعلى التقادير إثبات الحكم في نقيض الشرط بطريق الأولى ليثبت في جميع التقادير ، واستدل بعضهم بالآية على جواز نكاح «الأمة المؤمنة» مع وجود طول الحرّة ، واعترضه الكيا بأنه ليس في الآية نكاح الإماء وإنما ذلك للتنفير عن نكاح الحرّة المشركة لأنّ العرب كانوا بطباعهم نافرين عن نكاح «الأمة» فقيل لهم : إذا نفرتم عن الأمة فالمشركة أولى ـ وفيه تأمّل ـ وفي البحر أن مفهوم الصفة يقتضي أن لا يجوز نكاح «الأمة» الكافرة كتابية أو غيرها ؛ وأمّا وطؤها بملك اليمين فيجوز مطلقا (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) أي لا تزوجوا الكفار من المؤمنات سواء كان الكافر كتابيا أو غيره وسواء كانت ـ المؤمنة أمة ـ أو حرة ، ف (تَنْكِحُوا) بضم التاء لا غير ، ولا يمكن الفتح ـ وإلا لوجب ـ ولا ينكحن المشركين ، واستدل بها على اعتبار الولي في النكاح مطلقا وهو خلاف مذهبنا ، وفي دلالة الآية على ذلك خفاء لأن المراد النهي عن إيقاع هذا الفعل والتمكين