عن كل واحد على حدة ، فلهذا لم يورد الواو بينها ، وقال صاحب الانتصاف في بيان العطف والترك : إن أول المعطوفات عين الأول من المجردة ، ولكن وقع جوابه أولا بالمصرف لأنه الأهم ، وأن كان المسئول عنه إنما هو المنفق لا جهة مصرفه ثم لما لم يكن في الجواب الأول تصريح بالمسئول عنه أعيد السؤال ليجابوا عن المسئول عنه صريحا ، وهو العفو الفاضل فتعين إذا عطفه ليرتبط بالأول ، وأما السؤال الثاني من المقرونة فقد وقع عن أحوال اليتامى ، وهل يجوز مخالطتهم في النفقة والسكنى فكان له مناسبة مع النفقة باعتبار أنهم إذا خالطوهم أنفقوا عليهم فلذا عطف على سؤال الإنفاق ، وأما السؤال الثالث فلما كان مشتملا على اعتزال الحيض ناسب عطفه على ما قبله لما فيه من بيان ما كانوا يفعلونه من اعتزال اليتامى ، وإذا اعتبرت الأسئلة المجردة من الواو لم تجد بينها مداناة ولا مناسبة البتة إذ الأول منها عن النفقة والثاني عن القتال في (الشَّهْرِ الْحَرامِ) ، والثالث عن (الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) وبينها من التباين ، والتقاطع ما لا يخفى فذكرت كذلك مرسلة متقاطعة غير مربوطة بعضها ببعض ، وهذا من بدائع البيان الذي لا تجده إلا في الكتاب العزيز ا ه.
ولا أرى القلب يطمئن به كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرناه فتدبر ، والمحيض كما قال الزجاج :
وعليه الكثير مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا فهو كالمجيء والمبيت وأصله السيلان يقال : حاض السيل وفاض قال الأزهري : ومنه قيل : للحوض حوض لأن الماء يحيض إليه أي يسيل ، والعرب تدخل الواو على الياء لأنهما من جنس واحد ، وقيل : إنه هنا اسم مكان ، ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحكى الواحدي عن ابن السكيت أنه إذا كان الفعل من ذوات الثلاثة نحو كال يكيل ، وحاض يحيض فاسم المكان منه مكسور ، والمصدر منه مفتوح ، وحكى غيره عن غيره التخيير في مثله بل قيل : إن الكسر والفتح جائزان في اسم الزمان والمكان والمصدر وعلى ما نسب للترجمان ، واختاره الإمام يحتاج إلى الحذف في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ أَذىً) أي موضع أذى وكذا يحتاج إلى اعتبار الزمان في قوله سبحانه : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) لركاكة قولنا (فَاعْتَزِلُوا) في موضع الحيض ، وإن اختاره الإمام وقال : إن المعنى ـ اعتزلوا مواضع الحيض ، والأذى ـ مصدر من ـ إذا يؤذيه إذا وإذاء ، ولا يقال في المشهور إيذاء وحمله على المحيض للمبالغة ، والمعنى المقصود منه المستقذر وبه فسره قتادة ، واستعمل فيه بطريق الكناية ، والمراد من اعتزال النساء اجتناب مجامعتهن كما يفهمه آخر الآية ، وإنما أسند الفعل إلى الذات للمبالغة كما في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] ووضع الظاهر موضع المضمر لكمال العناية بشأنه بحيث لا يتوهم غيره أصلا ، وقد يقال لا وضع ، وحديث الإعادة أغلبي بل يعتبر ما أشرنا إلى اعتباره فيما أشرنا إلى عدم اعتباره لضعف النسبة ، وقوة الداعي إلى التقدير وعدمه أولى ، وإنما وصف بأنه أذى ورتب الحكم عليه بالفاء ولم يكتف في الجواب بالأمر للإشعار بأنه العلة والحكم المعلل أوقع في النفس.
(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) تقرير للحكم السابق لأن الأمر بالاعتزال يلزمه النهي عن القربان وبالعكس فيكون كل منهما مقررا وإن تغايرا بالمفهوم فلذا عطف أحدهما على الآخر ؛ وفيه بيان لغايته فإن تقييد الاعتزال بقوله سبحانه وتعالى : (فِي الْمَحِيضِ) وترتبه على كونه أذى يفيد تخصيص الحرمة بذلك الوقت ، ويفهم منه عقلا انقطاعها بعده ، ولا يدل عليه اللفظ صريحا بخلاف (حَتَّى يَطْهُرْنَ) والغاية انقطاع الدم عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فإن كان الانقطاع لأكثر مدة الحيض حل القربان بمجرد الانقطاع ، وإن كان لأقل منها لم يحل إلا باغتسال أو ما هو في حكمه من مضي وقت صلاة ، وعند الشافعية هي الاغتسال بعد الانقطاع قالوا : ويدل عليه صريحا قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية ابن عياش «يطهرن» بالتشديد أي «يتطهرن» والمراد به يغتسلن لا لأن الاغتسال