معنى حقيقي للتطهير كما يوهمه بعض عباراتهم ـ لأن استعماله فيما عدا الاغتسال شائع في الكلام المجيد والأحاديث على ما لا يخفى على المتتبع ـ بل لأن صيغة المبالغة يستفاد منها الطهارة الكاملة ، والطهارة الكاملة للنساء عن المحيض هو الاغتسال فلما دلت قراءة التشديد على أن غاية حرمة القربان هو الاغتسال والأصل في القراءات التوافق حملت قراءة التخفيف عليها بل قد يدعى أن الطهر يدل على الاغتسال أيضا بحسب اللغة ففي القاموس طهرت المرأة انقطع دمها واغتسلت من الحيض كتطهرت ، وأيضا قوله تعالى :
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) يدل التزاما على أن الغاية هي الاغتسال لأنه يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل فهو يقوي كون المراد بقراءة التخفيف الغسل لا الانقطاع وربما يكون قرينة على التجوز في الطهر بحمله على الاغتسال إن لم يسلم ما تقدم وعلى فرض عدم تسليم هذا وذاك والرجوع إلى القول بأن قراءة التخفيف من الطهر وهو حقيقة في انقطاع الدم لا غير ولا تجوز ولا قرينة ، وقراءة التشديد من التطهر ، ويستفاد منه الاغتسال يقال أيضا في وجه الجمع كما في الكشف : إن القراءة بالتشديد لبيان الغاية الكاملة وبالتخفيف لبيان الناقصة ، وحتى في الأفعال نظير إلى في أنه لا يقتضي دخول ما بعدها فتكون الكاملة البتة ، وبيانه أن الغاية الكاملة ما يكون غاية بجميع أجزائه وهي الخارجة عن المغيا ، والناقصة ما تكون غاية باعتبار آخرها وحتى الداخلة على الأسماء تقتضي دخول ما بعدها لو لا الغاية والداخلة على الأفعال مثل إلى لا تقتضي كون ما بعدها جزءا لما قبلها فانقطاع الدم غاية للحرمة باعتبار آخره فيكون وقت الانقطاع داخلا فيها والاغتسال غاية لها باعتبار أوله فلا تعارض بين القراءتين ، ولعل فائدة بيان الغايتين بيان مراتب حرمة القربان فإنها أشد قبل الانقطاع مما بعده ، ولما رأى ساداتنا الحنفية أن هاهنا قراءتين التخفيف والتشديد وأن مؤدى الأولى انتهاء الحرمة العارضة على الحل بانقطاع الدم مطلقا فإذا انتهت الحرمة العارضة حلت بالضرورة وأن مؤدى الثانية عدم انتهائها عنده بل بعد الاغتسال ، ورأوا أن الطهر إذا نسب إلى المرأة لا يدل على الاغتسال لغة بل معناه فيها انقطاع الدم وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد ، وفي تاج البيهقي طهرت خلاف طمثت ، وفي شمس العلوم امرأة طاهر بغير ـ هاء ـ انقطع دمها وفي الأساس امرأة طاهر ونساء طواهر طهرن من الحيض ، ولا يعارض ذلك ما في القاموس لجواز أن يكون بيانا للاستعمال ولو مجازا على ما هو طريقته في كثير من الألفاظ وأن الحمل على الاغتسال مجازا من غير قرينة معينة له مما لا يصح واعتبار (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) قرينة بناء على ما ذكروا ليس بشيء وما ذكروه في وجه الدلالة من الاقتضاء فيه بحث لأن ـ الفاء ـ الداخلة على الجملة التي لا تصلح أن تكون شرطا كالجملة الإنشائية لمجرد الربط كما نص عليه ابن هشام في المغني ومثل له بقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١] ولو سلم فاللازم تأخر جواز الإتيان عن الغسل في الجملة لا مطلقا حتى يكون قرينة على أن المراد بقراءة التخفيف أيضا الغسل وأن القول بأن إحدى الغايتين داخلة في الحكم والأخرى خارجة خلاف المتبادر احتاجوا للجمع بجعل كل منهما آية مستقلة فحملوا الأولى على الانقطاع بأكثر المدة ، والثانية لتمام العادة التي ليست أكثر مدة الحيض كما حمل إبراهيم النخعي قراءة النصب والجرّ في أرجلكم على حالة التخفيف وعدمه وهو المناسب لأن في توقف قربانها في الانقطاع للأكثر على الغسل إنزالها حائضا حكما وهو مناف لحكم الشرع لوجوب الصلاة عليها المستلزم لإنزاله إياها ظاهرا حكما بخلاف تمام العدة فإن الشرع لم يقطع عليها بالطهر بل يجوز الحيض بعده ، ولذا لو زادت ولم يجاوز العشرة كان الكل حيضا بالاتفاق بقي أن مقتضى الثانية ثبوت الحرمة قبل الغسل فرفع الحرمة قبله بمضي أول وقت الصلاة أعني أدناه الواقع آخرا ، واعتبار الغسل حكما على ما قالوا معارضة النص بالمعنى ، والجواب أن القراءة الثانية خص منها صورة الانقطاع للعشرة بقراءة التخفيف فجاز أن يخص ثانيا