بالمعنى كما قاله بعض المحققين ولا يخفى ما في مذهب الإمام من التيسير والاحتياط لا يخفى ، وحكي عن الأوزاعي أن حل الإتيان موقوف على التطهر وفسره بغسل موضع الحيض وقد يقال لتنقية المحل تطهير ، فقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها «أن امرأة سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن غسلها من المحيض فأمرها قبل أن تغتسل قال : خذي فرصة من مسك فتطهري بها قالت : كيف أتطهر بها؟ قال : تطهري بها قالت : كيف؟ قال : سبحان الله تطهري بها فاجتذبتها فقلت : تتبعي بها أثر الدم» وذهب طاوس ومجاهد في رواية عنه أن غسل الموضع مع الوضوء كاف في حل الإتيان ـ وإليه ذهب الإمامية ـ ولا يخفى أنه ليس شيء من ذلك طهارة كاملة للنساء وإنما هي طهارة كاملة لأعضائهن وهو خلاف المتبادر في الآية وإنما المتبادر هو الأول وما في الحديث وإن كان أمرا بالتطهر لتلك المرأة لكن المراد بذلك المبالغة في تطهير الموضع إلا أنه لأمر ما لم يصرح به صلى الله تعالى عليه وسلم وإطلاق التطهير على تنقية المحل مما لا ننكره وإنما ننكر إطلاق يطهرن على من طهرن مواضع حيضهن ودون إثباته حيض الرجال. واستدل بالآية على أنه لا يحرم الاستمتاع بالحائض بما بين السرة والركبة وإنما يحرم الوطء ، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها فيما أخرجه ابن جرير ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت : كل شيء إلا الجماع ؛ وذهب جماعة إلى حرمة الاستمتاع بما بين السرة والركبة استدلالا بما أخرجه مالك عن زيد بن أسلم «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : ما ذا يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال له صلى الله تعالى عليه وسلم : لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها» وكأنه من باب سد الذرائع في الجملة ، ولهذا ورد فيما أخرجه الإمام أحمد والتعفف عن ذلك أفضل والأمر في الآية للإباحة على حد (إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] ففيها إباحة الإتيان لكنه مقيد بقوله سبحانه :
(مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوا غيره قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع ، وقال الزجاج : معناه من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة ولا تقربوهن من حيث لا يحل كما إذا كن صائمات أو محرمات أو معتكفات وأيد بأنه لو أراد الفرج لكانت ـ في ـ أظهر فيه من ـ من ـ لأن الإتيان بمعنى الجماع يتعدى بها غالبا لا بمن ، ولعله في حيز المنع عند أهل القول الأول (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) مما عسى يندر منهم من ارتكاب بعض الذنوب كالإتيان في الحيض المورث للجذام في الولد كما ورد في الخبر ، والمستدعي عقاب الله تعالى فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي ، والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو جار مجرى الترهيب فلا يعارض ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : يا رسول الله أصبت امرأتي وهي حائض فأمره رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أن يعتق نسمة» وقيمة النسمة حينئذ دينار ، وهذا إذا كان الإتيان في أول الحيض والدم أحمر أما إذا كان في آخره والدم أصفر فينبغي أن يتصدق بنصف دينار كما دلت عليه الآثار (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي المتنزهين عن الفواحش والأقذار كمجامعة الحائض والإتيان لا من حيث أمر الله تعالى وحمل التطهر على التنزه هو الذي تقتضيه البلاغة وهو مجاز على ما في الأساس وشمس العلوم ، وعن عطاء حمله على التطهر بالماء والجملتان تذييل مستقل لما تقدم (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) أخرج البخاري وجماعة عن جابر قال : «كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها ثم حملت جاء الولد أحول فنزلت» والحرث إلقاء البذر في الأرض وهو غير الزرع لأنه إنباته يرشدك إلى ذلك قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة : ٦٣ ، ٦٤] وقال الجوهري : الحرث الزرع والحارث الزارع وعلى كل تقدير هو خبر عما