يقتضي التأخير مراعاة للترتيب الوجودي فلتقدمها على النوم في الخارج قدمت عليه في اللفظ ، وقيل : إنه على طريق التتميم وهو أبلغ لما فيه من التأكيد إذ نفي ـ السنة ـ يقتضي نفي النوم ضمنا فإذا نفى ثانيا كان أبلغ ، ورد بأنه إنما هو على أسلوب الإحاطة والإحصاء وهو متعين فيه مراعاة الترتيب الوجودي والابتداء من الأخف فالأخف كما في قوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) [الكهف : ٤٩] ولهذا توسطت كلمة (لا) تنصيصا على الإحاطة وشمول النفي لكل منهما ، وقيل : إن تأخير النوم رعاية للفواصل ولا يخفى أنه من ضيق العطن ، وقال بعض المحققين : هذا كله إنما يحتاج إليه إذا أخذ الأخذ بمعنى العروض والاعتراء ، وأما لو أخذ بمعنى القهر والغلبة ـ كما ذكره الراغب ، وغيره من أئمة اللغة ـ ومنه قوله تعالى : (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢] فالترتيب على مقتضى الظاهر إذ يكون المعنى لا تغلبه ـ السنة ، ولا النوم ـ الذي هو أكثر غلبة منها ، والجملة نفي للتشبيه وتنزيه له تعالى أن يكون له مثل من الأحياء لأنها لا تخلو من ذلك فكيف تشابهه ، وفيها تأكيد لكونه تعالى حيا قيوما لأن النوم آفة تنافي دوام الحياة وبقاءها وصفاته تعالى قديمة لا زوال لها ولأن من يعتريه النوم والغلبة لا يكون واجب الوجود دائمة ولا عالما مستمر العلم ولا حافظا قوي الحفظ ، وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل ينام ربك؟ قال : اتقوا الله تعالى فناداه ربه يا موسى سألوك هل ينام ربك فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل ففعل موسى فلما ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه ثم انتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا فقال : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك» ولما فيها من التأكيد كالذي بعدها ترك العاطف فيها وهي إما استئنافية لا محل لها من الإعراب وإما حال مؤكدة من الضمير المستكن في القيوم ، وجوز أن تكون خبرا عن الحي أو عن الاسم الجليل (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ـ تقريرا ـ لقيوميته تعالى ـ واحتجاج على تفرده في الإلهية ، والمراد بما فيهما ما هو أعم من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم فيعلم من الآية نفي كون الشمس والقمر. وسائر النجوم. والملائكة. والأصنام. والطواغيت آلهة مستحقة للعبادة (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) استفهام إنكاري ولذا دخلت (إِلَّا) والمقصود منه بيان كبرياء شأنه تعالى وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه بحيث يستقل أن يدفع ما يريده دفعا على وجه الشفاعة والاستكانة والخضوع فضلا عن أن يستقل بدفعه عنادا أو مناصبة وعداوة وفي ذلك تأييس للكافر حيث زعموا أن آلهتهم شفعاء لهم عند الله تعالى (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي أمر الدنيا (وَما خَلْفَهُمْ) أي أمر الآخرة قاله مجاهد ، وابن جريج ، وغيرهما ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة ، عكس ذلك ، وقيل : يعلم ما كان قبلهم وما كان بعدهم ، وقيل : ما بين أيديهم من خير أو شر وما خلفهم مما فعلوه كذلك ، وقيل : ما يدركونه وما لا يدركونه أو ما يحسونه ويعقلونه والكل محتمل ، ووجه الإطلاق فيه ظاهر ، وضمير الجمع يعود على ما في (ما فِي السَّماواتِ) إلخ إلا أنه غلب من يعقل على غيره ، وقيل : للعقلاء في ضمنه فلا تغليب ، وجوز أن يعود على ما دل عليه (مَنْ ذَا) من الملائكة والأنبياء ، وقيل : الأنبياء خاصة ، والعلم ـ بما بين أيديهم وما خلفهم ـ كناية عن إحاطة علمه سبحانه ، والجملة إما استئناف أو خبر عما قبل أو حال من ضمير يشفع أو من المجرور في ـ بإذنه ـ (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) أي معلومه كقولهم : اللهم اغفر لنا علمك فينا ، والإحاطة بالشيء علما علمه كما هو على الحقيقة ، والمعنى لا يعلم أحد من هؤلاء كنه شيء ما من معلوماته تعالى : (إِلَّا بِما شاءَ) أن يعلم ، وجوز أن يراد من علمه معلومه الخاص وهو كل ما في الغيب (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ، ٢٧] وعطفت هذه الجملة على ما قبلها لمغايرتها له لأن ذلك يشعر بأنه سبحانه يعلم كل شيء وهذه تفيد أنه لا يعلمه غيره