عنده جئتم ما يقول لكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه هل له كتاب يقرؤه؟ قالوا : نعم هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله تعالى عليه وما قد سمع منه ويأمر بالمعروف ، ويأمر بحسن المجاورة ، ويأمر باليتيم ، ويأمر بأن يعبد الله تعالى وحده ولا يعبد معه إلها آخر فقرأ عليه ـ سورة الروم. والعنكبوت. وأصحاب الكهف. ومريم فلما أن ذكر عيسى في القرآن أراد عمرو أن يغضبه عليهم قال : والله إنهم يشتمون عيسى ويسبونه قال النجاشي : ما يقول صاحبكم في عيسى : قال يقول : إن عيسى عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم ، فأخذ النجاشي نفثة من سواكه قدر ما يقذي العين فخلف ما زاد المسيح على ما يقول صاحبكم بما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه فأبشروا ولا تخافوا فلا دهونة ـ يعني بلسان الحبشة ـ اللوم على حزب إبراهيم قال عمرو بن العاص : ما حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم فأنزلت ذلك اليوم في خصومتهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو المدينة (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) الآية (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) المشهور أنها نزلت حين دعا اليهود حذيفة ، وعمارا ، ومعاذا إلى اليهودية ، فالمراد بأهل الكتاب اليهود ، وقيل : المراد بهم ما يشمل الفريقين ، والآية بيان لكونهم دعاة إلى الضلالة إثر بيان أنهم ضالون ، وأخرج ابن المنذر عن سفيان أنه قال : كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى. ولعله جار مجرى الغالب ، و (مِنْ) للتبعيض ، والطائفة رؤساؤهم وأحبارهم ، وقيل : لبيان الجنس ـ والطائفة ـ جميع أهل الكتاب وفيه بعد ، و (لَوْ) بمعنى أن المصدرية ، والمنسبك مفعول ـ ودّ ـ وجوز إقرارها على وضعها ، ومفعول ودّ محذوف ، وكذا جواب (لَوْ) والتقدير (وَدَّتْ) إضلالكم (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) لسروا بذلك ، ومعنى (يُضِلُّونَكُمْ) يردونكم إلى كفركم ـ قاله ابن عباس ـ أو يهلكونكم ـ قاله ابن جرير الطبري ـ أو يوقعونكم في الضلال ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم ـ قاله أبو علي ـ وهو قريب من الأول (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) الواو للحال ، والمعنى على تقدير إرادة الإهلاك من الإضلال أنهم ما يهلكون إلا أنفسهم لاستحقاقهم بإيثارهم إهلاك المؤمنين سخط الله تعالى وغضبه ، وإن كان المراد من الإهلاك الإيقاع في الضلال فيحتاج إلى تأويل لأن القوم ضالون فيؤدي إلى جعل الضال ضالا فيقال : إن المراد من الإضلال ما يعود من وباله إما على سبيل المجاز المرسل ، أو الاستعارة أي ما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله إلا إليهم لما أنهم يضاعف به عذابهم ، أو المراد بأنفسهم أمثالهم المجانسون لهم ، وفيه على ما قيل : الإخبار بالغيب فهو استعارة أو تشبيه بتقدير أمثال أنفسهم إذ لم يتهود مسلم ـ ولله تعالى الحمد ـ وقيل : إن معنى إضلالهم أنفسهم إصرارهم على الضلال بما سولت لهم أنفسهم مع تمكنهم من اتباع الهدى بإيضاح الحجج ، ولا يخلو عن شيء (وَما يَشْعُرُونَ) أي وما يفطنون بكون الإضلال مختصا بهم لما اعترى قلوبهم من الغشاوة ـ قاله أبو علي ـ وقيل : (وَما يَشْعُرُونَ) بأن الله تعالى يعلم المؤمنين بضلالهم وإضلالهم ، وفي نفي الشعور عنهم مبالغة في ذمهم (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أي لم تكفرون بما يتلى عليكم من آيات القرآن وأنتم تعلمون ما يدل على صحتها ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل ، وقيل : المراد (لِمَ تَكْفُرُونَ) بما في كتبكم من الآيات الدالة على نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) الحجج الدالة على ذلك ، أو (لِمَ تَكْفُرُونَ) بما في كتبكم من (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وأنتم تشاهدون ذلك ، أو (لِمَ تَكْفُرُونَ) بالحجج الدالة على نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أن ظهور المعجزة يدل على صدق مدعي الرسالة أو ـ أنتم تشدون ـ إذ خلوتم بصحة دين الإسلام ، أو (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) جميعا وأنتم تعلمون حقيتها بلا شبهة بمنزلة علم المشاهدة.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) أي تسترونه به ، أو تخلطونه به ، والباء صلة ، وفي المراد أقوال :