٨] فالمراد بالإيمان إظهاره كما ذكره الزمخشري ، أو الإقرار اللساني كما ذكره الواحدي ، والمراد من التابعين المتصلب منهم ، وإلا وقع ما فروا منه ، وثانيها أن المراد (وَلا تُؤْمِنُوا) هذا الإيمان الظاهر الذي أتيتم به وجه النهار إلا لمن كان تابعا لدينكم أولا وهم الذين أسلموا منهم أي لأجل رجوعهم لأنه كان عندهم أهم وأوقع ، وهم فيه أرغب وأطمع ، وعند هذا تم الكلام ، ثم قيل : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) أي فمن يهدي الله فلا مضل له ويكون قوله تعالى : (أَنْ يُؤْتى) إلخ على هذا معللا لمحذوف أي ـ لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ـ ولما يتصل به من الغلبة بالحجة يوم القيامة دبرتم ما دبرتم.
وحاصله أن داعيكم إليه ليس إلا الحسد ، وإنما أتى ـ بأو ـ تنبيها على استقلال كل من الأمرين في غيظهم وحملهم على الحسد حتى دبروا ما دبروا ولو أتى بالواو لم تقع هذا الموقع للعلم بلزوم الثاني للأول لأنه إذا كان ما أوتوا حقا غلبوا يوم القيامة مخالفهم لا محالة فلم يكن فيه فائدة زائدة ، وأما ـ أو ـ فتشعر بأن كلا مستقل في الباعثية على الحسد والاحتشاد في التدبير ، والحمل على معنى حتى ليس له موقع يروع السامع وإن كان وجها ظاهرا.
ويؤيد هذا الوجه قراءة ابن كثير ـ أن يؤتى ـ بزيادة همزة الاستفهام للدلالة على انقطاعه عن الفعل واستقلاله بالإنكار ، وفيه تقييد الإيمان بالصادر أول النهار بقرينة إن الكلام فيه ؛ وتخصيص من تبع بمسلميهم بقرينة المضي فإن غيرهم متبع دينهم الآن أيضا ، وعن الزمخشري أن (أَنْ يُؤْتى) إلخ من جملة المقول كأنه قيل : قل لهم هذين القولين ومعناه أكد عليهم أن الهدى ما فعل الله تعالى من إيتاء الكتاب غيركم ، وأنكر عليهم أن يمتعضوا من أن يؤتى أحد مثله ـ كأنه قيل ـ قل : إن الهدى هدى الله ، وقل ـ لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ـ قلتم ما قلتم وكدتم ما كدتم ، وثالثها أن يقرر ولا تؤمنوا على ما قرر عليه الثاني ، ويجعل أن يؤتى خبر (إِنَ) و (هُدَى اللهِ) بدل من اسمها ـ وأو ـ بمعنى حتى على أنها غاية سببية ، وحينئذ لا ينبغي أن يخص عند ربكم بيوم القيامة بل بالمحاجة الحقة كما أشير إليه في البقرة ، ولو حملت على العطف لم يلتئم الكلام ، ورابعها أن يكون (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ) إلخ باقيا على إطلاقه أي واكفروا آخره واستمروا على ما كنتم فيه من اليهودية ولا تقروا لأحد إلا لمن هو على دينكم وهو من جملة مقول الطائفة ويكون (قُلْ إِنَّ الْهُدى) إلخ أمرا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يقول ذلك في جوابهم على معنى قل : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) فلا تنكروا أن يؤتى حتى تحاجوا ؛ وقرينة الإضمار أن (وَلا تُؤْمِنُوا) إلخ تقرير على اليهودية وأنه لا دين يساويها فإذا أمر صلى الله تعالى عليه وسلم أن يجيبهم علم أن ما أنكروه غير منكر وأنه كائن ، وحمل ـ أو ـ على معناها الأصلي حينئذ أيضا حسن لأنه تأييد للإيتاء وتعريض بأن من أوتي مثل ما أوتوا هم الغالبون ، وقرئ ـ أن يؤتى ـ بكسر همزة إن على أنها نافية ـ أي قولوا لهم ما يؤتى ـ وهو خطاب لمن أسلم منهم رجاء العود ، والمعنى لا إيتاء ولا محاجة ـ فأو ـ بمعنى حتى ، وقدر قولوا توضيحا وبيانا لأنه ليس استئنافا تعليلا ، وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى) إلخ اعتراض ذكر قبل أن يتم كلامهم للاهتمام ببيان فساد ما ذهبوا إليه ؛ وأرجح الأوجه الثاني لتأيده بقراءة ابن كثير وأنه أفيد من الأول وأقل تكلفا من باقي الأوجه ، وأقرب إلى المساق انتهى.
«وأقول» ما ذكره في الوجه الرابع من تقرير فلا تنكروا (أَنْ يُؤْتى) إلخ هو قول قتادة ، والربيع ، والجبائي لكنهم لم يجعلوا ـ أو ـ بمعنى حتى وهو أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما وكذا القول بإبدال أن يؤتى من الهدى قول السدي. وابن جريج إلا أنهم قدروا ـ لا ـ بين أن ويؤتى ، واعترض عليهما أبو العباس المبرد بأن ـ لا ـ ليست مما تحذف هاهنا ، والتزم تقدير مضاف شاع تقديره في أمثال ذلك وهو كراهة ، والمعنى إن الهدى كراهة ـ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ـ أي ممن خالف دين الإسلام لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار فهدى الله تعالى بعيد من غير المؤمنين ، ولا يخفى