الاستقامة بحاله عند من له معرفة بأساليب الكلام ، وإن هذا ليس من زيادة الكاف في شيء بل لا بد في التعجب بكلمة (أَرَأَيْتَ) من إثبات كاف ، أو ما في معناه ـ ولا يخفى أن هذا من الغرابة بمكان ـ فإن (أَلَمْ تَرَ) يستعمل للتعجب مع التشبيه في كلام العرب كما يشير إليه كلام سيبويه ، (أَرَأَيْتَ) كثيرا ما يستعمل بدون الكاف أو ما في معناه ، وهو في القرآن كثير وكيف يفرق بينهما بأن الأول تعلق بالمتعجب منه ، وفي الثاني بمثله ، والمثلية إنما جاءت من ذكر الكاف ولو ذكرت في الأول لكان مثله بلا فرق فهذا مصادرة على المطلوب فليس إلا ما ذكر أولا سوى أن تقدير (أَرَأَيْتَ) مع الكاف أولى لأن استعماله معها أكثر فتدبر.
و (أَوْ) للتخيير أو للتفصيل ـ والمار ـ هو عزيز بن شرخيا ـ كما أخرجه الحاكم عن علي كرم الله تعالى وجهه. وإسحاق بن بشر عن ابن عباس ، وعبد الله بن سلام ، واليه ذهب قتادة ، وعكرمة ، والربيع ، والضحاك ، والسدي ، وخلق كثير ـ وقيل : هو أرميا بن خلقيا من سبط هارون عليهالسلام ـ وهو المروي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه ـ وإليه ذهب وهب ، وقيل : هو الخضر عليهالسلام ـ وحكي ذلك عن ابن إسحاق ـ وزعم بعضهم أن هذين القولين واحد ، وأن أرميا هو الخضر بعينه ، وقيل : شعيا ، وقيل : غلام لوط عليهالسلام ، وقال مجاهد : كان المار رجلا كافرا بالبعث وأيد بنظمه مع نمروذ في سلك واحد حيث سيق الكلام للتعجيب من حالهما ، وبأن كلمة الاستبعاد في هذا المقام تشعر بالإنكار ظاهرا وليست هي فيه مثلها في (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) [آل عمران : ٤٠ ، مريم : ٨ و ٢٠] و (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) [آل عمران : ٤٧] وعورض بما بين قصته وقصة إبراهيم الآتية بعد من التناسب المعنوي فإن كليهما طلبا معاينة الإحياء مع أن ما جرى له في القصة مما يبعد أن يجري مع كافر ـ وإذا انضم إلى ذلك تحريه الظاهر في الاحتراز عن الكذب في القول الصادر قبل التبيين الموجب لإيمانه على زعم من يدعي كفره ـ قوى المعارض جدا ، وإن قلنا : بأن دلالة الانتظام في سلك نمروذ على الإيمان أحق لينطبق على التفصيل المقدم في (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ حسب ما أشرنا إليه في القيل قبل لم يكد يتوهم القول بالكفر كما لا يخفى ، ـ والقرية ـ قال ابن زيد : هي التي خرج منها الألوف ، وقال الكلبي : دير سابرآباد ، وقال السدي : دير سلماباذ ، وقيل : دير هرقل ، وقيل : المؤتفكة ، وقيل : قرية العنب على فرسخين من بيت المقدس ، وقال عكرمة ، والربيع ، ووهب : هي بيت المقدس وكان قد خربها بختنصر وهذا هو الأشهر ، واشتقاقها من القرى وهو الجمع (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي ساقطة على سقوفها بأن سقط السقف أولا ثم تهدمت الجدران عليه ، وقيل : المعنى خالية عن أهلها ثابتة على عروشها أي إن بيوتها قائمة والجار والمجرور على الأول متعلق ـ بخاوية ـ وعلى الثاني بمحذوف وقع خبرا بعد خبر ـ لهي ـ والجملة قيل : في موضع الحال من الضمير المستتر في (مَرَّ) وقيل : من (قَرْيَةٍ) ويجيء الحال من النكرة على القلة ، وقيل : في موضع الصفة لها ويبعده توسط الواو ، ومن الناس من جوز كون (عَلى عُرُوشِها) بدلا من (قَرْيَةٍ) بإعادة الجار وكونه صفة لها ، وجملة (وَهِيَ خاوِيَةٌ) إما حال من ـ العروش ـ أو من ـ القرية ـ أو من ـ ها ـ والعامل معنى الاضافة والكل مما لا ينبغي حمل التنزيل عليه (قالَ) في نفسه أو بلسانه (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) المشار إليه إما نفس القرية بدون تقدير كما هو الظاهر ، فالاحياء والاماتة مجازان عن العمارة والخراب ، أو بتقدير مضاف ـ أي أصحاب هذه القرية ـ فالإحياء والإماتة على حقيقتها ، وإما عظام القرية البالية وجثثهم المتفرقة ، والسياق دال على ذلك ، والاحياء والاماتة على حالهما أيضا ، فعلى القول بالمجاز يكون هذا القول على سبيل التلهف والتشوق إلى عمارة تلك القرية لكن مع استشعار اليأس عنها على أبلغ وجه وأوكده ولذا أراه الله تعالى أبعد الأمرين في نفسه ، ثم في غيره ، ثم أراه ما استبعده صريحا مبالغة في إزاحة ما عسى يختلج في خلده ، وعلى القول الثاني يكون اعترافا بالعجز عن معرفة طريق الاحياء واستعظاما لقدرة