التاء في السين واستشكل تفرع (فَانْظُرْ) على ـ لبث المائة ـ بالفاء وهو يقتضي التغير ، وأجيب بأن المفرع عليه ليس ـ البث الماء بل لبث المائة من غير تغير في جسمه حتى ظنه زمانا قليلا ففرع عليه ما هو أظهر منه وهو عدم تغير الطعام والشراب وبقاء الحيوان حيا من غير غذاء ، وقيل : إن التقدير ـ إن حصل لك عدم طمأنينة في أمر البعث ـ فانظر إلى طعامك وشرابك السريع التغير حتى تعرف أن من لم يغيره يقدر على البعث. وفيه نظر لأنه مع كونه خلاف الظاهر يعكر عليه قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) كيف نخرت عظامه وتفرقت أوصاله وهذا هو الظاهر لأنه أدل على الحال وأوفق بما بعده ، وكون المراد ـ انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته حفظناه بلا ماء وعلف كما حفظنا الطعام والشراب ـ ليس بشيء ولا يساعده المأثور (وَلِنَجْعَلَكَ) متعلق بمقدر أي وفعلنا ذلك لنجعلك ، ومنهم من قدره متأخرا ، وقيل : إنه متعلق بما قبله والواو زائدة وعلى تقديره فهو معطوف على (لَبِثْتَ) أو على مقدر بطريق الاستئناف أي فعلنا ذلك لتعاين ما استبعدت أو لتهدى ولنجعلك ، وقيل : إنه عطف على (قالَ) ففيه التفات (آيَةً) أي عبرة أو مرشدا (لِلنَّاسِ) أي جنسهم أو من بقي من قومه أو للموجودين في هذا القرن بأن يشاهدوك وأنت من أهل القرون الخالية ويأخذوا عنك ما انطوى عنهم منذ أحقاب من علم التوراة ، وفيه دليل على ما ذكر من اللبث المديد ولذلك قرن بينه وبين الأمر بالنظر إلى حماره (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) أي عظام الحمار ـ كما قاله السدي ـ وكرر الأمر لما أن المأمور به أولا هو النظر إليها من حيث الدلالة على المكث المديد ، وثانيا هو النظر إليها من حيث تعتريها الحياة ومباديها ، وقيل : عظام أموات أهل القرية ، وعن قتادة ، والضحاك ، والربيع عظام نفسه قالوا : أول ما أحيا الله تعالى منه عيناه وسائر جسده ميت وعظامه نخرة فأمر بالنظر إليها ، وقيل : عظامه وعظام حماره والكل لا يعول عليه. (كَيْفَ نُنْشِزُها) بالزاي المعجمة من الإنشاز وهو الرفع أي كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسد ، وقال الكسائي : نلينها ونعظمها ، وقرأ أبي ننشيها ، وابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، ويعقوب ـ ننشرها ـ من أنشر الله تعالى الموتى أحياها ولعل المراد بالاحياء ما تقدم لا معناه الحقيقي لقوله تعالى : (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) أي نسترها به كما نستر الجسد باللباس ، وقرأ أبان عن عاصم ـ ننشرها ـ بفتح النون وضم الشين والراء وهو حينئذ من النشر ضد الطي ـ كما قال الفراء ـ فالمعنى كيف نبسطها ، والجملة قيل : إما حال من العظام أي وانظر إليها مركبة مكسوة لحما أو بدل اشتمال أي وانظر إلى العظام كيفية انشازها وبسط اللحم عليها ، واعترضت الحالية بأن الجملة استفهامية وهي لا تقع حالا ، وأجيب بأن الاستفهام ليس على حقيقته فما المانع من الحالية ، ولعل عدم التعرض لكيفية نفخ الروح ـ كما قيل ـ لما أنها مما لا تقتضي الحكمة بيانها ، وفي بعض الآثار إن ملكا نادى العظام فأجابت وأقبلت من كل ناحية ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر ثم نفخ فيه الروح فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي اتضح اتضاحا تاما له ما دل عليه الأمر من كيفية الإحياء بمباديه ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه الأمر المذكور وإنما حذف للإيذان بظهور تحققه واستغنائه عن الذكر وللإشعار بسرعة وقوعه كأنه قيل : فأنشرها الله تعالى وكساها لحما فنظر إليها فتبين له كيفيته فلما تبين ذلك (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) ومن جملته ما شوهد (قَدِيرٌ).
وقيل : فاعل تبين مضمر يفسره مفعول أعلم فالكلام من باب التنازع على مذهب البصريين ، وأورد عليه أن شرط التنازع كما نص عليه النحاة اشتراك العاملين بعطف ونحوه بحيث يرتبطان فلا يجوز ضربني أهنت زيدا قيل : وليس بشيء لأنه لم يشترطه إلا ابن عصفور ، وقد صرح بازات الفن بخلافه ـ كأبي علي وغيره ـ مع أنه لم يخص بالعطف إذ هو جار في قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] و ـ لما ـ رابطة للجملتين فيكفي مثله في الربط وإن لم