أقول لها إذا جشأت وجاشت |
|
مكانك تحمدي أو تستريحي |
ويؤيد ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) أي ناصرهما والجملة اعتراض.
وجوز أن تكون حالا من فاعل (هَمَّتْ) أو من ضميره في (تَفْشَلا) مفيدة لاستبعاد فشلهما أو همهما مع كونهما في ولاية الله تعالى ، وقرأ عبد الله «والله وليهم» بضمير الجمع على حد (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩](وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي عليه سبحانه لا على غيره كما يؤذن به تقديم المعمول ، وإظهار الاسم الجليل للتبرك به والتعليل وأل في (الْمُؤْمِنُونَ) للجنس ويدخل فيه الطائفتان دخولا أوليا ، وفي هذا العنوان إشعار بأن الإيمان بالله تعالى من موجبات التوكل عليه ، وحذف متعلق التوكل ليفيد العموم أي ليتوكلوا عليه عز شأنه في جميع أمورهم جليلها وحقيرها سهلها وحزنها (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) بيان لما يترتب على الصبر والتقوى إثر بيان ما ترتب على عدمهما أو مساقة (١) لا يجاب التوكل على الله تعالى بتذكير ما يوجبه. وبدر ـ كما قال الشعبي ـ بئر لرجل من جهينة يقال له بدر فسميت به ، وقال الواقدي: اسم للموضع ، وقيل : للوادي وكانت ـ كما قال عكرمة ـ متجرا في الجاهلية.
وقال قتادة : إن بدرا ماء بين مكة والمدينة التقى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمشركون وكان أول قتال قاتله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان ذلك في السابع عشر من شهر رمضان يوم الجمعة سنة اثنتين من الهجرة ، والباء بمعنى ـ في ـ أي نصركم الله في بدر (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) حال من مفعول (نَصَرَكُمُ) و (أَذِلَّةٌ) جمع قلة لذليل ، واختير على ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم ، والمراد بها عدم العدة لا الذل المعروف فلا يشكل دخول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في هذا الخطاب إن قلنا به ، وقيل : لا مانع من أن يراد المعنى المعروف ويكون المراد (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) في أعين غيركم وإن كنتم أعزة في أنفسكم ، وقد تقدم الكلام على عددهم وعدد المشركين إذ ذاك (فَاتَّقُوا اللهَ) باجتناب معاصيه والصبر على طاعته ولم يصرح بالأمر بالصبر اكتفاء بما سبق وما لحق مع الاشعار ـ على ما قيل ـ بشرف التقوى وأصالتها وكون الصبر من مبادئها اللازمة لها وفي ترتيب الأمر بها على الاخبار بالنصر إعلام بأن نصرهم المذكور كان بسبب تقواهم فمعنى قوله تعالى :
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لعلكم تقومون بشكر ما أنعم به عليكم من النصر القريب بسبب تقواكم إياه ، ويحتمل أن يكون كناية أو مجازا عن نيل نعمة أخرى توجب الشكر كأنه قيل : فاتقوا الله لعلكم تنالون نعمة من الله تعالى فتشكرونه عليها فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له ومستعد إياه (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ظرف لنصركم ، والمراد به وقت ممتد وقدم عليه الأمر بالتقوى إظهارا لكمال العناية ، وقيل : بدل ثان من (إِذْ غَدَوْتَ) وعلى الأول يكون هذا القول ببدر ، وعلى ذلك الحسن وغيره.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وغيرهما عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) إلخ فبلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين ؛ وعلى الثاني يكون القول بأحد وكان مع اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة ولم يوجدا منهم فلم يمدوا ، ونسب ذلك إلى عكرمة وقتادة في إحدى الروايتين عنه.
(أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) الكفاية سد الحاجة وفوقها الغنى بناء على
__________________
(١) وقوله : أو مساقة كذا بخطه رحمهالله ، ولعلها منساقة أو مسوقة ، كتبه مصححه.