على ما ثبت هو الوجه ، ونقل عن بعضهم أن الواو للقسم على نحو ـ اتق الله تعالى فو الله إنه مطلع عليك ـ ترك الفاء لأن الاستئناف أقوى الأصلين وهو وجه حسن.
وقرأ ابن زيد (وَالْأَرْحامَ) بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، أي (وَالْأَرْحامَ) كذلك أي مما يتقى لقرينة (اتَّقُوا) أو مما يتساءل به لقرينة (تَسائَلُونَ) وقدره ابن عطية ـ أهل لأن توصل ـ وابن جني ـ مما يجب أن توصلوه وتحتاطوا فيه ـ ولعل الجملة حينئذ معترضة وإلا ففي العطف خفاء ، وقد نبه سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه سبحانه على أن صلتها بمكان منه تعالى وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال : نعم أما ترضين أني أصل من وصلك وأقطع من قطعك ، قالت : بلى قال : فذلك لك» وأخرج البزار بإسناد حسن «الرحم حجنة (١) متمسكة بالعرش تكلم بلسان زلق اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني فيقول الله تعالى : أنا الرحمن أنا الرحيم فإني شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ومن بتكها بتكته».
وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح «إن من أربى الربا الاستطالة بغير حق وإن هذه الرحم شجنة (٢) من الرحمن فمن قطعها حرم الله تعالى عليه الجنة».
والأخبار في هذا الباب كثيرة ، والمراد بالرحم الأقارب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب وإن بعد ويطلق على الأقارب من جهة النساء وتخصيصه في باب الصلة بمن ينتهي إلى رحم الأم منقطع عن القبول إذ قد ورد الأمر بالإحسان إلى الأقارب مطلقا (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي حفيظا ـ قاله مجاهد ـ فهو من رقبه بمعنى حفظه ـ كما قاله الراغب ـ وقد يفسر بالمطلع ، ومنه المرقب للمكان العالي الذي يشرف عليه ليطلع على ما دونه ، ومن هنا فسره ابن زيد بالعالم ، وعلى كل فهو فعيل بمعنى فاعل ، والجملة في موضع التعليل للأمر ووجوب الامتثال ، وإظهار الاسم الجليل لتأكيده وتقديم الجار لرعاية الفواصل (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) شروع في تفصيل موارد الاتقاء على أتم وجه ، وبدأ بما يتعلق باليتامى إظهارا لكمال العناية بشأنهم ولملابستهم بالأرحام إذ الخطاب للأوصياء والأولياء وقلما تفوض الوصاية لأجنبي ، واليتيم ـ من الإنسان من مات أبوه ، ومن سائر الحيوانات فاقد الأم ـ من اليتم وهو الانفراد ، ومن هنا يطلق على كل شيء عز نظيره ، ومنه الدرة اليتيمة وجمع على يتامى مع أن فعيلا لا يجمع على فعالى بل على فعال ـ ككريم وكرام وفعلاء ـ ككريم وكرماء ـ وفعل كنذير ونذر ـ وفعلى ـ كمريض ومرضى ـ إما لأنه أجري مجرى الأسماء ، ولذا قلما يجري على موصوف فجمع على يتايم كأفيل (٣) وأفائل ، ثم قلب فقيل : يتامي بالكسر ، ثم خفف بقلب الكسرة فتحة فقبلت الياء ألفا ، وقد جاء على الأصل في قوله :
أأطلال حسن بالبراق «اليتايم» |
|
سلام على أحجاركنّ القدايم |
أو لأنه جمع أولا على يتمى ، ثم جمع يتمى على يتامى إلحاقا له بباب الآفات والأوجاع ، فإن فعيلا فيها يجمع على فعلى ، وفعلى يجمع على فعالى كما جمع أسير على أسرى ثم على أسارى ، ووجه الشبه ما فيه من الذل
__________________
(١) الحجنة بفتح الحاء المهملة والجيم وتخفيف النون ـ صنارة المغزل التي يعلق بها الخيط ثم يفتل الغزل ا ه منه.
(٢) الشجنة ـ بسكر أوله المعجم وضمه ـ القرابة المشتبكة اشتباك العروق ا ه منه.
(٣) بوزن ـ أمير ابن المخاض فما فوقه ـ الفصيل ا ه منه.