الموصوف قدم الخبر وقرن المبدأ ـ بإلا ـ وجب تقديم الخبر عليه كما قرر في موضعه ، وثالثها أن ما بعد (إِلَّا) والمقصور هو الواقع في سياق النفي ، والمبتدأ إذا اقترن ـ بإلا ـ وجب تقديم الخبر عليه كما قرر في موضعه ، وثالثها أن ما بعد (إِلَّا) مرفوع ـ بإله ـ كما هو حال المبتدأ إذا كان وصفا لأن إلها بمعنى مألوه فيكون قائما مقام الفاعل وسادّا مسد الخبر كما في ما مضروب العمران ، ويرد على الأول أن فيه خللا من جهة المعنى لأن المقصود من الكلمة أمران نفي الإلهية عن غيره تعالى وإثباتها له سبحانه وهذا إنما يتم إذا كان (إِلَّا) فيها للاستثناء إذ يستفاد النفي والإثبات حينئذ بالمنطوق ، وأما إذا كانت بمعنى غير فلا يفيد الكلام بمنطوقه إلا نفي الإلهية عن غيره تعالى ، وأما إثباتها له عز اسمه فلا يستفاد من التركيب واستفادته من المفهوم لا تكاد تقبل لأنه إن كان مفهوم لقب فلا عبرة به ولو عند القائلين بالمفهوم إذ لم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة ، وإن كان مفهوم صفة فمن البين أنه غير مجمع عليه ، ويرد على الثاني أنه مع ما فيه من التمحل يلزم منه أن يكون الخبر مبنيا مع (لا) وهي لا يبنى معها إلا المبتدأ ، وأيضا لو كان الأمر كما ذكر لم يكن لنصب الاسم الواقع بعد (إِلَّا) في مثل هذا التركيب وجه ، وقد جوزه فيه جماعة ، وعلى الثالث أنا لا نسلم أن إلها وصف وإلا لوجب إعرابه وتنوينه ولا قائل به.
هذا ولي إن شاء الله تعالى عودة بعد عودة إلى ما في هذه الكلمة الطيبة من الكلام ، وفي قوله تعالى : (الْحَيُ) سبعة أوجه من وجوه الإعراب : الأول أن يكون خبرا ثانيا للفظ الجلالة ، الثاني أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف أي هو الحي ، الثالث أن يكون بدلا من قوله سبحانه : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، الرابع أن يكون بدلا من (هُوَ) وحده ، الخامس أن يكون مبتدأ خبره (لا تَأْخُذُهُ) ، السادس أنه بدل من الله ، السابع أنه صفة له ويعضده القراءة بالنصب على المدح لاختصاصه بالنعت ، وفي أصله قولان : الأول أن أصله ـ حيي ـ بياءين من حيي يحيي ، والثاني أنه حيو فقلبت الواو المتطرفة المنكسر ما قبلها ياء ، ولذلك كتبوا الحياة بواو في رسم المصحف تنبيها على هذا الأصل ، ويؤيده الحيوان لظهور هذا الأصل فيه ، ووزنه قيل : فعل ، وقيل : فيعل فخفف كميت في ميت ، والحياة عند الطبيعي القوة التابعة للاعتدال النوعي التي تفيض عنها سائر القوى الحيوانية. أو قوة التغذية ، أو قوة الحس ، أو قوة تقتضي الحس والحركة. والكل مما يمتنع اتصاف الله تعالى به لأنه من صفات الجسمانيات فهي فيه سبحانه صفة موجودة حقيقية قائمة بذاته لا يكتنه كنهها ولا تعلم حقيقتها كسائر صفاته جل شأنه زائدة على مجموع العلم والقدرة وليست نفس الذات حقيقة ولا ثابتة لا موجودة ولا معدومة ـ كما قيل بكل ـ فالحي ذات قامت به تلك الصفة ، وفسره بعض المتكلمين بأنه الذي يصح أن يعلم ويقدر ، واعترضه الإمام بأن هذا القدر حاصل لجميع الحيوانات فكيف يحسن أن يمدح الله تعالى نفسه بصفة يشاركه بها أخس الحيوانات. ثم قال والذي عندي في هذا الباب أن الحي في أصل اللغة ليس عبارة عن نفس هذه الصحة بل كل شيء كان كاملا في جنسه يسمى حيا ألا يرى أن عمارة الأرض الخربة تسمى إحياء الموات ، والصفة المسماة في عرف المتكلمين حياة إنما سميت بها لأنها كمال الجسم أن يكون موصوفا بتلك الصفة فلا جرم سميت تلك الصفة حياة ، وكمال حال الأشجار أن تكون مورقة خضرة فلا جرم سميت هذه الحال حياة فالمفهوم الأصلي من الحي كونه واقعا على أكمل أحواله وصفاته وإذا كان كذلك زال الإشكال لأن المفهوم من الحي هو الكامل ولما لم يكن ذلك مقيدا دل على أنه كامل على الإطلاق والكامل كذلك من لا يكون قابلا للعدم لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية ولا في صفاته السلبية والإضافية انتهى ، ولا يخفى أنه صرح ممرد من قوارير أما أولا فلأن قوله : إن الحي ـ بمعنى الذي يصح أن يعلم ويقدر مما يشترك به سائر الحيوانات فلا يحسن أن