وظاهر الآية يفيد عدم جواز نكاح الأمة للمستطيع لمفهوم الشرط ـ كما ذهب إليه الشافعي ـ وعدم جواز نكاح الأمة الكتابية مطلقا لمفهوم الصفة كما هو رأي أهل الحجاز ـ وجوزهما الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه لإطلاق المقتضي من قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) فلا يخرج منه شىء إلا بما يوجب التخصيص ؛ ولم ينتهض ما ذكر حجة مخرجة ؛ أما أولا فالمفهومان ـ أعني مفهوم الشرط ومفهوم الصفة ـ ليسا بحجة عنده رضي الله تعالى عنه كما تقرر في الأصول. وأما ثانيا فبتقدير الحجة مقتضى المفهومين عدم الإباحة الثابتة عند وجود القيد المبيح ، وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة ، ولا دلالة للأعم على أخص بخصوصه فيجوز ثبوت الكراهة عند وجود ـ طول ـ الحرة كما يجوز ثبوت الحرمة على السواء ، والكراهة أقل فتعينت فقلنا بها ، وبالكراهة صرح في البدائع ، وعلل بعضهم عدم حل تزوج الأمة حيث لم يتحقق الشرط بتعريض الولد للرق لتثبت الحرمة بالقياس على أصول شتى ، أو ليتعين أحد فردي الأعم الذي هو عدم الإباحة وهو التحريم مرادا بالأعم.
واعترض بأنهم إن عنوا أن فيه تعريضا موصوفا بالحرية للرق سلمنا استلزامه للحرمة لكن وجود الوصف ممنوع إذ ليس هنا متصف بحرية عرض للرق بل الوصفان من الحرية والرق يقارنان وجود الولد باعتبار أمه إن كانت حرة فحر ، أو رقيقة فرقيق ، وإن أرادوا به تعريض الولد الذي سيوجد لأن يقارنه الرق في الوجود لا إرقاقه سلمنا وجوده ومنعنا تأثيره في الحرمة بل في الكراهة ، وهذا لأنه كان له أن لا يحصل الولد أصلا بنكاح الآيسة ونحوها فلأن يكون له أن يحصل رقيقا بعد كونه مسلما أولى إذ المقصود بالذات من التناسل تكثير المقرين لله تعالى بالوحدانية والألوهية وما يجب أن يعترف له به وهذا ثابت بالولد المسلم ، والحرية مع ذلك كمال يرجع أكثره إلى أمر دنيوي وقد جاز للعبد أن يتزوج أمتين بالاتفاق مع أن فيه تعريض الولد للرق في موضع الاستغناء عن ذلك وعدم الضرورة ، وكون العبد أبا لا أثر له في ثبوت رق الولد فإنه لو تزوج حرة كان ولده حرا والمانع إنما يعقل كونه ذات الرق لأنه الموجب للنقص الذي جعلوه محرما لا مع قيد حرية الأب فوجب استواء العبد والحر في هذا الحكم لو صح ذلك التعليل ـ قاله ابن الهمام ـ وفيه مناقشة ما فتأمل.
وفي هذه الآية ما يشير إلى وهن استدلال الشيعة بالآية السابقة على حل المتعة لأن الله تعالى أمر فيها بالاكتفاء بنكاح الإمام عند عدم الطول إلى نكاح الحرائر فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق لما قال سبحانه بعده : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) إلخ لأن المتعة في صورة عدم الطول المذكور ليست قاصرة في قضاء حاجة الجماع بل كانت بحكم ـ لكل جديد لذة ـ أطيب وأحسن على أن المتعة أخف مئونة وأقل كلفة فإنها مادة يكفي فيها الدرهم والدرهمان فأية ضرورة كانت داعية إلى نكاح الإماء؟ ولعمري إن القول بذلك أبعد بعيد كما لا يخفى على من أطلق من ربقة قيد التقليد (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) جملة معترضة جيء بها تأنيسا لقلوبهم وإزالة للنفرة عن نكاح الإماء ببيان أن مناط التفاخر الإيمان دون الأحساب والأنساب ، ورب أمة يفوق إيمانها إيمان كثير من الحرائر.
والمعنى أنه تعالى أعلم منكم بمراتب إيمانكم الذي هو المدار في الدارين فليكن هو مطمح نظركم ، وقيل : جيء بها للإشارة إلى أن الإيمان الظاهر كاف في صحة نكاح الأمة ولا يشترط في ذلك العلم بالإيمان علما يقينيا إذ لا سبيل إلى الوقوف على الحقائق إلا لعلام الغيوب (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي أنتم وفتياتكم متناسبون إما من حيث الدين وإما من حيث النسب ، وعلى الثاني يكون اعتراضا آخر مؤكدا للتأنيس من جهة أخرى ؛ وعلى الأول يكون بيانا لتناسبهم من تلك الحيثيّة إثر بيان تفاوتهم في ذلك ، وأيّا ما كان ـ فبعضكم ـ مبتدأ والجار والمجرور متعلق