عنهما ، ولا يعدّ ـ نحو صبحك الله تعالى بالخير ، أو قواك الله تعالى ـ تحية ولا يستحق مبتدأ به جوابا ، والدعاء له بنظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله له تأديبه لتركه سنة السلام ونحو مرحبا مثل ذلك في ذلك ، وذكر أنه لو قال المسلم السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته ، فقال الراد : عليك السلام فقد أجزأه لكنه خلاف الأولى ، وظاهر الآية خلافه إذ الأمر فيها دائر بين الجواب بالأحسن ، والجواب بالمثل ، وليس ما ذكر شيئا منهما. وحمل التحية على السلام هو ما ذهب إليه الأكثرون من المحققين وأئمة الدين ، وقيل : المراد بها الهدية والعطية ، وأوجب القائل العوض أو الرد على المتهب ـ وهو قول قديم للشافعي ـ ونسب أيضا لإمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه ، وعلل بعضهم بأن السلام قد وقع فلا يرد بعينه فلذا حمل على الهدية وقد جاء إطلاقها عليها ، وأجيب بأنه مجاز كقول المتنبي :
قفي تغرم الأولى من اللحظ مقلتي |
|
بثانية والمتلف الشيء غارمه |
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عيينة أنه قال في الآية : أترون هذا في السلام وحده هذا في كل شيء من أحسن إليك فأحسن إليه وكافه ، فإن لم تجد فادع له واثن عليه عند إخوانه ، ولعل مراده رحمهالله تعالى قياس غير السلام من أنواع الإحسان عليه لأن المراد من التحية ما يعم السلام وغيره لخفاء ذلك ، ولعل من أراد الأعم فسرها بما يسدي إلى الشخص مما تطيب به حياته (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) فيحاسبكم على كل شيء من أعمالكم ؛ ويدخل في ذلك ما أمروا به من التحية دخولا أوليا.
هذا «ومن باب الإشارة في هذه الآيات» (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ) أنفسهم (فِي سَبِيلِ اللهِ) فيهلكونها بسيوف المجاهدة ليصلوا إليه تعالى شأنه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ) عقولهم وينازعونها (فِي سَبِيلِ) طاغوت أنفسهم ليحصلوا اللذات ويغنموا في هذه الدار الفانية أمتعة الشهوات (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) وهي القوى النفسانية أو النفس وقواها (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) فوليه ضعيف ، عاذ بقرملة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ) أي قال لهم المرصدون (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) عن محاربة الأنفس الآن قبل أداء رسوم العبادات (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) والمراد بها إتعاب البدن بأداء العبادة البدنية (وَآتُوا الزَّكاةَ) والمراد بها إتعاب القلب بأداء العبادة المالية فإذا تم لكم ذلك فتوجهوا إلى محاربة النفس فإن محاربتها قبل ذلك بغير سلاح ، فإن هذه العبادات الرسمية سلاح السالكين فلا يتم لأحد تهذيب الباطن قبل إصلاح الظاهر (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) حين أداء ما أمروا بأدائه (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لضعف استعدادهم (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) فلا يستطيعون هجرهم ، ولا ارتكاب ما فيه ذل نفوسهم خشية اعتراضهم عليهم ، أو إعراضهم عنهم ، وقالوا بلسان الحال : (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) الآن (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وهو الموت الاضطراري ، فالمنية ولا الدنية ، وهذا حال كثير من الناسكين يرغبون عن السلوك وتحمل مشاقة مما فيه إذلال نفوسهم وامتهانها خوفا من الملامة ، واعتراض الناس عليهم فيبقون في حجاب أعمالهم ـ ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ولبئس ما كانوا يصنعون ـ (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) فلا ينبغي أن يلاحظوا الناس في تركه وعدم الالتفات إليه (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) فينبغي أن يتحملوا الملامة في تحصيلها (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) مما كتب لكم فينبغي عدم خشية سوى الله تعالى (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) وتفارقون ولا بد من تخشون فراقه إن سلكتم ففارقوهم بالسلوك وهو الموت الاختياري قبل أن تفارقوهم بالهلاك وهو الموت الاضطراري (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أي أجساد قوية :
فمن يك ذا عظم صليب رجا به |
|
ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره |
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ) أي المحجوبين (حَسَنَةٌ) أي شيء يلائم طباعهم (يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فيضيفونها إلى