الله تعالى من فرح النفس ولذة الشهوة لاتبعت المعرفة والمحبة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي شيء تنفر عنه طباعهم وإن كان على خلاف ذلك في نفس الأمر (يَقُولُوا) لضيق أنفسهم (هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) فيضيفونها إلى غيره تعالى ويرجعون إلى الأسباب لعدم رسوخ الإيمان الحقيقي في قلوبهم (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وهذا دعاء لهم إلى توحيد الأفعال ، ونفى التأثير عن الأغيار ، والإقرار بكونه سبحانه خالق الخير والشر (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) المحجوبين (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) لاحتجابهم بصفات النفوس وارتياح آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي ، ثم زاد سبحانه في البيان بقوله عزوجل : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) صغرت أو عظمت (فَمِنَ اللهِ) تعالى أفاضها حسب الاستعداد الأصلي (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) حقرت أو جلت (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي من قبلها بسبب الاستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والأفعال الحاجبة للقلب المكدرة لجوهره حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبلايا والنوائب ، لا من قبل الرسول صلىاللهعليهوسلم أو غيره (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) فأنت الرحمة لهم فلا يكون من عندك شر عليهم (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على ذلك (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) لأنه صلىاللهعليهوسلم مرآة الحق يتجلى منه للخلق ، وقال بعض العارفين ، إن باطن الآية إشارة إلى عين الجمع (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ليرشدهم إلى أنك رسول الله تعالى ، وأن إطاعتك إطاعته سبحانه حيث أنه مشتمل على الفرق والجمع ، وقيل : ألا يتدبرونه فيتعظون بكريم مواعظه ويتبعون محاسن أوامره ، أو أفلا يتدبرونه ليعلموا أن الله جل شأنه تجلى لهم فيه (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) أي لوجدوا الكثير منه مختلفا بلاغة وعدمها فيكون مثل كلام المخلوقين فيكون لهم مساغ إلى تكذيبه وعدم قبول شهادته ، أو القول بأنه لا يصلح أن يكون مجلى لله تعالى ، (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) إخبار عمن في مبادي السلوك أي إذا ورد عليهم شيء من آثار الجمال أو الجلال أفشوه وأشاعوه (وَلَوْ رَدُّوهُ) أي عرضوه (إِلَى الرَّسُولِ) إلى ما علم من أحواله ، وما كان عليه (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) وهم المرشدون الكاملون الذين نالوا مقام الوراثة المحمدية (لَعَلِمَهُ) أي لعلم مآله وأنه مما يذاع أو أنه لا يذاع (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) ويتلقونه منهم أي من جهتهم وواسطة فيوضاتهم ، والمراد بالموصول الرادون أنفسهم ، وحاصل ذلك أنه لا ينبغي للمريد إذا عرض له في أثناء سيره وسلوكه شيء من آثار الجمال أو الجلال أن يفشيه لأحد قبل أن يعرضه على شيخه فيوقفه على حقيقة الحال فإن في إفشائه قبل ذلك ضررا كثيرا (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) أيها الناس بالواسطة العظمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَرَحْمَتُهُ) بالمرشدين الوارثين (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) والنفس أعظم جنوده إن لم تكنه (إِلَّا قَلِيلاً) وهم السالكون بواسطة نور إلهي أفيض عليهم فاستغنوا به كبعض أهل الفترة ، قيل : وهم على قدم الخليل عليه الصلاة والسلام (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) أي قاتل من يخالفك وحدك (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) على أن يقاتلوا من يحول بينهم وبين ربهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ستروا أوصاف الربوبية (وَاللهُ أَشَدُّ) منهم (بَأْساً) أي نكاية (وَأَشَدُّ) منهم (تَنْكِيلاً) أي تعذيبا (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) أي من يرافق نفسه على الطاعات (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) أي حظ وافر من ثوابها (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) أي من يرافق نفسه على معصية (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) أي مثل مساو من عقابها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) فيوصل الثواب والعقاب إلى مستحقيهما (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) تعليم لنوع من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، وقيل : المعنى إذا منّ الله تعالى عليكم بعطية فابذلوا الأحسن من عطاياه أو تصدقوا بما أعطاكم وردوه إلى الله تعالى على يد المستحقين ، والله تعالى خير الموفقين.
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر ، وقوله سبحانه : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) جواب قسم محذوف أي