والله ليجمعنكم ، والجملة إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، أو خبر ثان ، أو هي الخبر ، و (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اعتراض ، واحتمال ـ أن تكون خبرا بعد خبر لكان ، وجملة (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) معترضة مؤكدة لتهديد قصد بما قبلها وما بعدها ـ بعيد ، ثم الخبر وإن كان هو القسم وجوابه لكنه في الحقيقة الجواب فلا يرد وقوع الإنشاء خبرا ، ولا أن جواب القسم من الجمل التي لا محل لها من الإعراب فكيف يكون خبرا مع أنه لا امتناع من اعتبار المحل وعدمه باعتبارين ، والجمع بمعنى الحشر ، ولهذا عدى بإلى كما عدى الحشر بها في قوله تعالى : (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران : ١٥٨] ، وقد يقال : إنما عدى بها لتضمينه معنى الإفضاء المتعدى بها أي ليحشرنكم من قبوركم إلى حساب يوم القيامة ، أو مفضين إليه ، وقيل : إلى بمعنى في كما أثبته أهل العربية ليجمعنكم في ذلك اليوم (لا رَيْبَ فِيهِ) أي في يوم القيامة ، أو في الجمع ، فالجملة إما حال من اليوم ، أو صفة مصدر محذوف أي جمعا «لا ريب فيه» والقيامة بمعنى القيام ، ودخلت التاء فيه للمبالغة ـ كعلامة ، ونسابة ـ وسمى ذلك اليوم بذلك لقيام الناس فيه للحساب مع شدة ما يقع فيه من الهول ، ومناسبة الآية لما قبلها ظاهرة ، وهي أنه تعالى لما ذكر (إِنَّ اللهَ) تعالى (كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) تلاه بالإعلام بوحدانيته سبحانه والحشر والبعث من القبور للحساب بين يديه ، وقال الطبرسي : وجه النظم أنه سبحانه لما أمر ونهى فيما قبل بين بعد أنه لا يستحق العبادة سواه ليعملوا على حسب ما أوجبه عليهم ، وأشار إلى أن لهذا العمل جزاء ببيان وقته ، وهو يوم القيامة ليجدوا فيه ويرغبوا ويرهبوا (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) الاستفهام إنكاري ، والتفضيل باعتبار الكمية في الأخبار الصادقة لا الكيفية إذ لا يتصور فيها تفاوت لما أن الصدق المطابقة للواقع وهي لا تزيد ، فلا يقال لحديث معين : إنه أصدق من آخر إلا بتأويل وتجوز والمعنى لا أحد أكثر صدقا منه تعالى في وعده وسائر أخباره ويفيد نفي المساواة أيضا كما في قولهم : ليس في البلد أعلم من زيد ، وإنما كان كذلك لاستحالة نسبة الكذب إليه سبحانه بوجه من الوجوه ، ولا يعرف خلاف بين المعترفين بأن الله تعالى متكلم بكلام في تلك الاستحالة ، وإن اختلف مأخذهم في الاستدلال.
وقد استدل المعتزلة على استحالة الكذب في كلام الرب تعالى بأن الكلام من فعله تعالى ، والكذب قبيح لذاته ـ والله تعالى لا يفعل القبيح ـ وهو مبني على قولهم : بالحسن والقبح الذاتيين وإيجابهم رعاية الصلاح والأصلح ، وأما الأشاعرة فلهم ـ كما قال الآمدي ـ في بيان استحالة الكذب في كلامه تعالى القديم النفساني مسلكان :
عقلي وسمعي ، أما المسلك الأول : فهو أن الصدق والكذب في الخبر من الكلام النفساني القديم ليس لذاته ونفسه بل بالنظر إلى ما يتعلق به من المخبر عنه فإن كان قد تعلق به على ما هو عليه كان الخبر صدقا ، وإن كان على خلافه كان كذبا ، وعند ذلك فلو تعلق من الرب سبحانه كلامه القائم على خلاف ما هو عليه لم يحل إما أن يكون ذلك مع العلم به أولا لا جائز أن يكون الثاني ، وإلا لزم الجهل الممتنع عليه سبحانه من أوجه عديدة ، وإن كان الأول فمن كان عالما بالشيء يستحيل أن لا يقوم به الإخبار عنه على ما هو به وهو معلوم بالضرورة ، وعند ذلك فلو قام بنفسه الإخبار عنه على خلاف ما هو عليه حال كونه عالما به مخبرا عنه على ما هو عليه لقام بالنفس الخبر الصادق والكاذب بالنظر إلى شيء واحد من جهة واحدة ، وبطلانه معلوم بالضرورة.
واعترض بأنا نعلم ضرورة من أنفسنا إنا حال ما نكون عالمين بالشيء يمكننا أن نخبر بالخبر الكاذب ، ونعلم كوننا كاذبين ، ولو لا إنا عالمون بالشيء المخبر عنه لما تصور علمنا بكوننا كاذبين ، وأجيب بأن الخبر الذي نعلم من أنفسنا كوننا كاذبين فيه إنما هو الخبر اللساني ، وأما النفساني فلا نسلم صحة علمنا بكذبه حال الحكم به ، وأما المسلك الثاني : فهو أنه قد ثبت صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم بدلالة المعجزة القاطعة فيما هو رسول فيه على ما بين في محله.