بطريق التبعية حتى يتجه ما ذكر ، ويرد على وجه التخصيص أنه لو كان كذلك لم يدل على حكم العبيد بل الوجه فيه أن الكلام في تزوج الإماء فهو مقتضى الحال انتهى.
والظاهر أن المراد بالحال المعلوم بدلالة النص حال العبيد إذا أتوا بفاحشة لا مطلقا فإن حال العبيد ليس حال الإماء في مسألة النكاح من كل وجه كما بين في كتب الفروع ، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قرئ فإن أتوا ، وأتين بفاحشة ، هذا والفاء في (فَإِنْ أَتَيْنَ) جواب إذا ، والثانية جواب إن ، والشرط الثاني مع جوابه مترتب على وجود الأول ، و (مِنَ الْعَذابِ) في موضع الحال من الضمير في الجار والمجرور والعامل فيها هو العامل في صاحبها ، قال أبو البقاء : ولا يجوز أن تكون حالا من (ما) لأنها مجرورة بالإضافة فلا يكون لها عامل (ذلِكَ) أي نكاح الإماء (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) أي لمن خاف الزنا بسبب غلبة الشهوة عليه ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن العنت فقال : الإثم ، فقال نافع : وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال : نعم أما سمعت قول الشاعر :
رأيتك تبتغي «عنتي» وتسعى |
|
مع الساعي عليّ بغير ذحل |
وقيل : أصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر يعتري الإنسان بعد صلاح حاله ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم بارتكاب أفحش القبائح ، ويفهم من كلام كثير من اللغويين أنه حقيقة في الإثم وكذا في الجهد والمشقة ، ومنه ـ أكمة عنوت ـ أي صعبة المرتقى ، وفسره الزجاج هنا بالهلاك ، والذي عليه الأكثرون ما تقدم وهو مأثور أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : المراد به الحد لأنه إذا هو يخشى أن يواقعها فيحد ، ورجح القول الأول بكثرة الذاهبين إليه مع ما فيه من الإشارة إلى أن اللائق بحال المؤمن الخوف من الزنا المفضي إلى العذاب ، وفي هذا إيهام بأن المحذور عنده الحد لا ما يوجبه وأيّا ما كان فهو شرط آخر لجواز تزوج الإماء عند الشافعي عليه الرحمة ، ومذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه أنه ليس بشرط وإنما هو إرشاد للأصلح (وَأَنْ تَصْبِرُوا) أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين. (خَيْرٌ لَكُمْ) من نكاحهن وإن رخص لكم فيه لأن حق الموالي فيهن أقوى فلا يخلصن للأزواج خلوص الحرائر إذ هم يقدرون على استخدامهن سفرا وحضرا ، وعلى بيعهن للحاضر والبادي ، وفي ذلك مشقة عظيمة على الأزواج لا سيما إذا ولد لهم منهن أولاد ، ولأنهن ممتهنات مبتذلات خراجات ولاجات ذلك ذل ومهانة سارية للناكح ، ولا يكاد يتحمل ذلك غيور ، ولأن في نكاحهن تعريض الولد للرق.
وقد أخرج عبد الرزاق وغيره عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : «إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه وإذا نكح الحر الأمة فقد أرق نصفه» وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : «ما تزحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا» وعن أبي هريرة وابن جبير مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر قال : «نكاح الأمة كالميتة والدم ولحم الخنزير لا يحل إلا للمضطر» وفي مسند الديلمي والفردوس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت» وقال الشاعر :
ومن لم تكن في بيته قهرمانة |
|
فذلك بيت لا أبا لك ضائع |
وقال الآخر :
إذا لم يكن في منزل المرء حرة |
|
تدبره ضاعت مصالح داره |
(وَاللهُ غَفُورٌ) أي مبالغ في المغفرة فيغفر لمن لم يصبر عن نكاحهن ، وإنما عبر بذلك تنفيرا عنه حتى كأنه ذنب (رَحِيمٌ) أي مبالغ في الرحمة فلذلك رخص لكم ما رخص.