مرة ثانية وهي في الصلاة البتة ، وتحتمل الآية ، بل قيل : إنها ظاهرة في ذلك أن الإمام يصلي مرتين كل مرة بفرقة وهي صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ كما رواه الشيخان أيضا ـ ببطن نخل ، واحتمالها للكيفية التي فعلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعسفان بعيد جدا ، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام ـ كما قال ابن عباس ورواه عنه أحمد وأبو داود وغيرهما ـ صف الناس خلفه صفين ، ثم ركع فركعوا جميعا ، ثم سجد بالصف الذي يليه ، والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، ثم ركع عليه الصلاة والسلام فركعوا جميعا ، ثم رفع فرفعوا ثم سجد هو والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ، ثم انصرف صلىاللهعليهوسلم وتمام الكلام يطلب من محله.
(وَلْيَأْخُذُوا) أي الطائفة الأخرى (حِذْرَهُمْ) أي احترازهم وشبهه بما يتحصن به من الآلات ولذا أثبت له الأخذ تخييلا وإلا فهو أمر معنوي لا يتصف بالأخذ ، ولا يضر عطف قوله سبحانه :
(وَأَسْلِحَتَهُمْ) عليه للجمع بين الحقيقة والمجاز لأن التجوز في التخييل في الإثبات والنسبة لا في الطرف على الصحيح ، ومثله لا بأس فيه بالجمع كما في قوله تعالى : (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] ، وقال بعض المحققين : إن هذا وأمثاله من المشاكلة لما يلزم على الكناية التصريح بطرفيها وإن دفع بأن المشبه به أعم من المذكور ، وإن فسر الحذر بما يدفع به فلا كلام ، ولعل زيادة الأمر بالحذر ـ كما قال شيخ الإسلام ـ في هذه المرة لكونها مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبي صلىاللهعليهوسلم في شغل شاغل ، وأما قبلها فربما يظنونهم قائمين للحراب.
(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) بيان لما لأجله أمروا بأخذ السلاح ، والخطاب للفريقين بطريق الالتفاف أي تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم فيحملون عليكم جملة واحدة ، والمراد بالأمتعة ما يمتع به في الحرب لا مطلقا وقرئ ـ أمتعاتكم ـ والأمر للوجوب لقوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) حيث رخص لهم في وضعها إذا ثقل عليهم حملها واستصحابها بسبب مطر أو مرض ، وأمروا بعد ذلك بالتيقظ والاحتياط فقال سبحانه : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) أي بعد إلقاء السلاح للعذر لئلا يهجم عليكم العدو غيلة ، واختار بعض أئمة الشافعية أن الأمر للندب ، وقيدوه بما إذا لم يخف ضررا يبيح التيمم بترك الحمل ، أما لو خاف وجب الحمل على الأوجه ولو كان السلاح نجسا ومانعا للسجود ، وفي شرح المنهاج للعلامة ابن حجر ولو انتفى خوف الضرر وتأذى غيره بحمله كره إن خف الضرر بأن احتمل عادة ، وإلا حرم ، وبه يجمع بين إطلاق كراهته وإطلاق حرمته ، والآية كما أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في عبد الرحمن بن عوف وكان جريحا ، وذكر أبو ضمرة ، ورواه الكلبي عن أبي صالح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غزا محاربا وبني أنمار فهزمهم الله تعالى وأحرزهم الذراري والمال ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون ولا يرون من العدو واحدا فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش فحال الوادي بينه صلىاللهعليهوسلم وبين أصحابه فجلس في ظل سمرة فبصر به غورث بن الحارث المحاربي فقال : قتلني الله تعالى إن لم أقتله وانحدر من الجبل ؛ ومعه السيف ولم يشعر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سله من غمده ، فقال : يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله عزوجل ؛ ثم قال : اللهم اكفني غورث بن الحارث بما شئت فانكب عدو الله تعالى لوجهه وقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ سيفه فقال : يا غورث من يمنعك مني الآن؟ فقال : لا أحد قال صلىاللهعليهوسلم : أتشهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله؟ قال : لا ، ولكني أعهد إليك