وحفظك في قلاع استعدادك عن أن ينالك شيء من ذلك (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) الجامع لتفاصيل العلم (وَالْحِكْمَةَ) التي هي أحكام تلك التفاصيل مع العمل (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من علم عواقب الخلق وعلم ما كان وما سيكون (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) حيث جعلك أهلا لمقام قاب قوسين أو أدنى ومنّ عليك بما لا يحيط به سوى نطاق الوجود (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) وهو ما كان من جنس الفضول ، والأمر الذي لا يعني (إِلَّا) نجوى (مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) وأرشد إلى فضيلة السخاء الناشئ من العفة ، (أَوْ مَعْرُوفٍ) قولي كتعلم علم ، أو فعلي كإغاثة ملهوف (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) الذي هو من باب العدل (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) ويجمع بين تلك الكمالات (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) لا للرياء والسمعة من كل ما يعود به الفضيلة رذيلة (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) الله تعالى (أَجْراً عَظِيماً) ويدخله جنات الصفات (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) أي يخالف ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو العقل المسمى عندهم بالرسول النفسي (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي غير ما عليه أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ومن اقتفى أثرهم من الأخيار أو القوى الروحانية (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) الحرمان (وَساءَتْ مَصِيراً) لمن يصلاها (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) وهي الأصنام المسماة بالنفوس إذ كل من يعبد غير الله تعالى فهو عابد لنفسه مطيع لهواها ، أو المراد بالإناث الممكنات لأن كل ممكن محتاج ناقص من جهة إمكانه منفعل متأثر عند تعينه فهو أشبه كل شيء بالأنثى (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) وهو شيطان الوهم حيث قبلوا إغواءه وأطاعوه (لَعَنَهُ اللهُ) أي أبعده عن رياض قربه (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) وهم غير المخلصين الذين استثنوا في آية أخرى (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الطريق الحق (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) الأماني الفاسدة من كسب اللذات الفانية (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أي فليقطعن آذان نفوسهم عن سماع ما ينفعهم (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) وهي الفطرة التي فطر الناس عليها من التوحيد (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ووحدوا وعملوا الصالحات واستقاموا (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) جنة الأفعال وجنة الصفات وجنة الذات (لَيْسَ) أي حصول الموعود (بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) بل لا بد من السعي فيما يقتضيه ، وفي المثل إن التمني رأس مال المفلس ، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) أي حالا (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) وسلم نفسه إليه وفني فيه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) مشاهد للجمع في عين التفصيل سالك طريق الإحسان بالاستقامة في الأعمال (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في التوحيد (حَنِيفاً) مائلا عن السوي (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب فلم يبق جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه عزوجل فهو عارف به بكل جزء منه ، ومن هنا قيل : إن دم الحلاج لما وقع على الأرض انكتب بكل قطرة منه الله ؛ وأنشد :
ما قدّ لي عضو ولا مفصل |
|
إلا وفيه لكم ذكر |
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ